شكلت خطوة قيام وزير الأمن القومي الإسرائيلي، اليميني المتشدد الجديد إيتمار بن غفير، بزيارة باحات المسجد الأقصى المبارك في القدس مخاطر حقيقية، ليس فقط على فرص إحياء عملية السلام في المنطقة، وإنما أيضاً على الأمن والاستقرار الإقليمي، بما شكلته من مؤشر على خطورة توجهات الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ولهذا فقد لقيت الزيارة إدانات عربية ودولية واسعة.

فلم يكد يمر أسبوع على أداء حكومة بنيامين نتنياهو اليمين الدستورية، حتى نفذ بن غفير وُعودَه باقتحام الحرم المقدسي الشريف، رغم التحذيرات الداخلية والخارجية من الإقدام على مثل هذه الخطوة، وفي الأذهان بالطبع خطوة مماثلة قام بها أرئيل شارون عام 2000، وتسببت في اندلاع انتفاضة القدس وما ترتب عليها من وقف لعملية السلام، وتفاقُم حدة التوتر في الأراضي الفلسطينية، بل والمنطقة برمتها. وما يزيد من خطورة هذه الخطوة هو أنها تأتي في سياق سياسة تتبناها معظم الحكومات الإسرائيلية، وتهدف إلى تغيير الوضع الراهن في القدس، وقضم المزيد من أراضي الفلسطينيين في المدينة، والتضييق على سكانها بكل السبل لتهجيرهم، ومن ثم تقويض حل الدولتين الذي يحظى بدعم وتأييد كبيرين من المجتمع الدولي.

ولهذا فقد كان هناك استنكار واسع، ليس فقط من الدول العربية، بل من الدول الغربية أيضاً، وربما أهمها موقف الولايات المتحدة، حيث عبرت واشنطن - أكبر حليف لإسرائيل - عن رفضها هذه الخطوة، وتأييدها الحفاظ على الوضع القائم بالأماكن المقدسة في القدس، ومعارضة أي إجراءات أحادية الجانب تقوّض الوضع التاريخي في المدينة. وكذلك الأمر، أكد الاتحاد الأوروبي أن الوضع الراهن للمواقع المقدسة في مدينة القدس ووصاية الأردن عليها يشكلان «ضرورة لاستمرار السلام والاستقرار الإقليمي». و«الوضع الراهن» هو الوضع الذي ساد في الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية منذ الفترة العثمانية، واستمر خلال فترة الانتداب البريطاني لفلسطين والحكم الأردني، حتى ما بعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967.

إذن ما قام به بن غفير خطير، ويثير قلقاً حقيقياً لدى المجتمع الدولي من مسار الحكومة الإسرائيلية الجديدة وسياستها، التي وُصِفت على نطاق واسع بأنها أكثر حكومة يمينية متطرفة في تاريخ إسرائيل.

وتكرار مثل هذه الخطوات أو القيام بأي إجراءات من شأنه تغيير الوضع القائم، وتقويض عملية السلام وتفاقُم حدة التوتر، وقد يتسبب في تفجير الوضع برمته، وهو ما لا تريده أي دولة لا داخل المنطقة ولا خارجها. ولهذا فقد تحركت دولة الإمارات العربية المتحدة مع الصين، ودعت إلى عقد جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي، لحشد الدعم الدولي للإبقاء على مسار السلام وتعزيزه.

وتبدو الحاجة مُلحَّة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى بذل المزيد من الجهود لإحياء عملية السلام، على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، حيث يبدو أنه هو المسار الوحيد الذي يمكن أن يضع حداً لحالة الصراع القائمة.