أثار اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني إيتمار بن غفير، في 3 يناير 2023، المسجدَ الأقصى، غضباً عربياً ودولياً واسعاً، فيما تباينت ردود الفعل داخل إسرائيل نفسها، على اقتحام بن غفير الذي كان يعتبر منبوذاً في الساحة السياسية الإسرائيلية، لكنه يمثّل اليومَ أحدَ أهم أعضاء الحكومة الجديدة. هذا الحدث يعيد للأذهان ما وقع في عام 2000 حين توجّه أرييل شارون إلى المسجد الأقصى مقتحماً إياه.
وقد أدانت دولة الإمارات العربية المتحدة بشدة اقتحام وزير إسرائيلي باحة المسجد الأقصى المبارك بحماية من القوات الإسرائيلية، معتبِرةً أن مثل هذه التصرفات الاستفزازية تدل على عدم الالتزام بالوضع التاريخي والقانوني القائم في الأماكن المقدسة في القدس، فضلاً عن كونها تزعزع استقرار الوضع الهش في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتمثل تطوراً خطيراً يُبعد المنطقة عن طريق السلام الذي نَصبو إليه جميعاً.
وأكدت الإمارات موقفَها الثابت بضرورة توفير الحماية الكاملة للمسجد الأقصى، ووقف أي انتهاكات من شأنها المَساس بمشاعر الملايين في مختلف أنحاء العالم، نظراً لما يحظى به المسجد الأقصى من مكانة مقدسة. كما شددت في بيان رسمي على ضرورة احترام دور المملكة الأردنية الهاشمية في رعاية المقدسات والأوقاف بموجب القانون الدولي والوضع التاريخي القائم.
ليس من مصلحة إسرائيل أن تحاصر الفلسطينيين، فالشعب الفلسطيني وجوده السياسي وهويته القومية معترف بهما دولياّ، وهما واقع لا يمكن إنكاره.. وعلى إسرائيل أن تتصرف بـ«واقعية سياسية» وأن تسلِّم بهذه الحقيقة التاريخية الصلبة، وأن لا ترهن نفسها لـ«أيديولوجيا القوة غير الأخلاقية» التي جرّبتها لسنوات عديدة. والضمان الوحيد لاستقرارها، هو أن تسالم محيطَها العربي الذي أكدت دوله على قبولها اتفاق السلام.

إسرائيل إحدى دول الشرق الأوسط، ويقع عليها جزء من المسؤولية الجماعية، وعليها أن تدرك أن المنطقة بحاجة إلى الأمن والسلم الجماعي، لصالح شعوبها، كي تعيش في سلام ووئام، في ضوء التغيرات الجيوسياسية الجديدة، بجانب التحولات الاقتصادية المنذرة بحدوث حالة من الركود والتضخم مصحوبةً باضطرابات في الأمن الغذائي لبعض الدول، مما يستدعي من جميع الدول أن تبادر بالحوار والتعاون والتنسيق، وأن تتحمل مسؤولياتها تجاه السلم الإقليمي.
على إسرائيل ألا تعول كثيراً على القوة العسكرية كسبيل وحيد لتحقيق أهدافها، فذلك أمر لن يدوم، وقد جرّبت إسرائيلُ هذا السلوك لسنوات ولم تجنِ سوى المزيد من التهديد لأمنها والمزيد من العنف وعدم الاستقرار.
مثل هذه الأحداث لن تشجع دولاً عربية أخرى على الانخراط في اتفاقيات سلام جديدة مع إسرائيل، وقد تبطئ السلام المعقود مع بعض الدول العربية ليصبح سلاماً بارداً! وتؤكد مجريات العام الماضي والتاريخ الطويل لهذا الصراع بأن الإجراءات أُحادية الجانب لها ثمن باهظ، وأنها السبب الرئيس في ارتفاع مستويات العنف وعدم الاستقرار.
وبإلقاء نظرة على الحكومة الإسرائيلية الجديدة، سنجد أنها تتألف من أحزاب يمينية وأخرى يمينية متطرفة، وأن اقتحام بن غفير دقَّ جرسَ التنبيه إلى ما قد تمثله الحكومة الجديدة من خطر على إسرائيل نفسها، في وقت لاحت فيه نُذُر معركة حول الأقصى، وهي معركة مرشحة للانفجار في عام 2023 !

*سفير سابق