انتعش الغاز الطبيعي في أوروبا في وقت يسعى فيه المتداولون إلى تحقيق توازن بين تأثيرات فصل شتاء دافئ والحاجة إلى إبقاء الأسعار مرتفعةً بما يكفي للحفاظ على واردات الغاز الطبيعي. وارتفعت العقود الآجلة المعيارية بما يصل إلى 7.9 في المئة في جلسة تداول متقلبة. إذ أدت الظروف المناخية المعتدلة على نحو لا يتوافق مع الموسم إلى كبح الطلب على التدفئة، مما أدى بدوره إلى بقاء المخزونات ممتلئة أكثر من المعتاد.

غير أن هناك مخاوف من أن يتسبب انخفاض الأسعار الناتج عن ذلك – انخفاض بحوالي 50 في المئة خلال الشهر الماضي – في توجه شحنات الغاز الطبيعي المسال نحو وجهات أخرى.

ولئن كانت أوروبا قد نجحت حتى الآن في اجتياز أزمة طاقة غير مسبوقة غذّت التضخم، فإن معظم الشتاء لم ينتهِ بعد. وقد كانت واردات الغاز الطبيعي المسال حاسمةً في تعويض بعض إمدادات الغاز وسط تقلص تدفق الغاز من روسيا، ولكن انخفاض الأسعار يعني أنه من المربح أكثر بالنسبة للبائعين الأميركيين أن يرسلوا صادراتهم إلى آسيا في شهري فبراير ومارس – ولا سيما إذا كانت هناك موجة برد.

وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول سيمون توري، رئيس التجارة المهيكلة لأوروبا الغربية في شركة «إم إي تي إنترناشيونال» السويسرية للتداول في الطاقة: «في حال تم تحويل وجهات الشحنات، سيتم فقدان كميات مهمة، مما سيؤدي إلى تحديد أرضية طبيعية لمستويات الأسعار»، مضيفاً: «وفي نهاية المطاف، سيتعين على أوروبا جذب شحنات الغاز الطبيعي المسال خلال العام من أجل تعويض الإمدادات الروسية». وتميل الأسعار الأوروبية والآسيوية إلى تتبع بعضها البعض في وقت تتنافس فيه المنطقتان على صادرات الغاز الطبيعي المسال نفسها. وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي المسال الآنية في شمال آسيا وسط توقعات صينية لطقس أكثر برودة في نهاية الشهر.

رخص أسعار الغاز يمكن أن يؤدي أيضاً إلى زيادة الطلب على الطاقة من جديد في أوروبا، وهو وضع يسعى السياسيون إلى تفاديه. ذلك أن انخفاض الأسعار، بالنسبة للصناعات الأوروبية، يعني أن بعض المصانع يمكنها أن تستأنف عملياتها، كما يقول توري. غير أنه من شأن ركود اقتصادي تلوح نذره في الأفق أن «يحد من ارتفاع الطلب»، يضيف توري.

وقالت «إينيرجي سْكان»، منصة التحليل التابعة لـ«إينجي إس إيه»، في نشرة يومية: «إن المشاركين في السوق يعتقدون أن توازن الغاز الأوروبي ليس مريحاً بما يكفي لتحمل زيادة مهمة في الطلب على الغاز من أجل توليد الطاقة، وخاصة على اعتبار أن انخفاض السعر يمكن أن يؤدي أيضاً إلى عودة بعض الطلب الصناعي». وفي غضون ذلك، تحصل المملكة المتحدة حالياً على كميات أقل من الغاز الطبيعي المسال بسبب سوء الأحوال الجوية الذي يتسبب في تأخر عمليات التفريغ بميناء ميلفورد هيفن، الذي يحتضن محطتين مهمتين.

ونتيجة لذلك، باتت الشحنات التي ترسل من هاتين المنشأتين إلى الشبكة في أدنى مستوى لها منذ شهر أكتوبر. غير أن الإمدادات بشكل عام تُعتبر وفيرة في الوقت الراهن. إذ ارتفعت تدفقات الغاز النرويجي إلى أوروبا إلى أعلى مستوى لها منذ شهر أبريل في وقت تعتمد فيه دول مثل ألمانيا على الدولة الاسكندنافية من أجل سد الفراغ الذي تركه غياب روسيا. والجدير بالذكر هنا أنه من المتوقع تسجيل درجات حرارة أعلى من المعتاد حتى منتصف شهر فبراير على الأقل.

ومن جانبها، ارتفعت العقود الآجلة للشهر التالي في هولندا، التي تُعد المعيار الأوروبي، بـ7.1 في المئة إلى 74.50 يورو للميغاوات-ساعة بحلول 5:12 بعد الظهر في أمستردام. هذا بينما سجلت عقود المملكة المتحدة الآجلة ارتفاعاً بنسبة 8.2 في المئة. وكانت الأسعار تأرجحت في وقت سابق بعد أن تمت إعادة تعويم سفينة كانت قد جنحت في قناة السويس. ولكن تأثيرات الحادث على حركة الملاحة بالممر المائي، الذي يُعد حيوياً لتجارة الغاز الطبيعي المسال من قطر إلى أوروبا، لم تدم سوى مدة قصيرة، ومن المتوقع أن تقتصر تداعياته على بعض التأخيرات الطفيفة فقط.

آنا شيريافسكايا وفانيسا ديزم*

*صحفيتان في بلومبيرج متخصصتان في قضايا الطاقة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سينديكيت»