لا زلت أشعر بالندم حتى هذه اللحظة، حينما كان عليّ الانتقال من مكتب إلى آخر، وكان علي أن أعيد ترتيب الأولويات التي يمكن لي أن آخذها معي لمكتبي الجديد، الذي بدا أقل مساحة من القديم، كنت مترددة حيال الصورة التي قطعتها من إحدى الصحف ولصقتها على جدران المكتب، حيث وقف الطلاب والطالبات في عمر مبكر أمام لوحات فان غوج حينذاك كانت تعرض لوحاته في متحف بالعاصمة البريطانية لندن، حتماً ستبهرك الصورة عندما ترى الصغار بمرايلهم المدرسية يجلسون على الأرض، يدونون تعليقاتهم على اللوحات الفنية.

بدت مشاعري تتحول بشكل سريع نحو الأسى، لم أستطع أن أمنع دموعي من أن تنتثر وأنا أشاهد لوحة الموناليزا وقد رشقت بقالب من الحلوى في متحف اللوفر بباريس، كما ألصق عدد من نشطاء تغير المناخ أيديهم على جدران معرض لندن الوطني أمام لوحة أتباع الشمس، وهي أيضاً للفنان الهولندي فان غوج، فيما حاول نشطاء البيئة أيضاً الذين لقبوا أنفسهم بـ «حركة الجيل الأخير» تشويه واجهة مبنى مجلس الشيوخ الإيطالي، وذلك بسكب طلاء أحمر في حركة احتجاجية على تدهور المناخ، وعلى عدم اهتمام العالم والسياسيين بما يمكن أن يكون أكبر مأساة في تاريخ البشرية، وذلك على حد تعبيرهم.

كتب موقع اليونسكو على صفحتة، «تراث في مرمى الخطر»، بأن المتاحف يجب أن لا تكون فقط مقصداً للمنح الدراسية الثقافية والعلمية المتخصصة أو محراباً لحفظ القطع الفنية والأثرية، بل أصبحت تلعب دوراً حيوياً في مجال التعليم، والتلاحم الاجتماعي والتنمية المستديمة عن طريق تشيجع التبادل الفكري والإبداع وأيضاً كرمز للهوية.

في الحقيقة لا أحد منا يعرف السبب أو العلاقة بين الثقافة والفن وحماية البيئة؟ تُرى ما ذنب لوحات موني وبيكاسو وليوناردو ديفينشي وفان غوج بما يحدث للبيئة؟ الجميع يتساءل لماذا يهاجم هؤلاء النشطاء مجال الثقافة والفن من أجل التنديد بمخاطر تغير المناخ؟

أشعر بأن بعض التعبيرات غالباً ما تميل إلى الادعاء، لكني في الحقيقة أشعر بالأسى لما يحدث من تخريب لأهم اللوحات العالمية، حيث يحاول نشطاء البيئة جذب الرأي العام ووسائل التواصل الاجتماعي نحو القضية التي تهمهم وهي كيفية المحافظة على البيئة ومواجهة الاحتباس الحراري، وهذه المرة اختارت المنظمات تنفيذ عمليات اقتحام المتاحف وصالات العروض الفنية.

للأسف القضية رغم أهميتها، لكنني أجدها خطيرة وتعتبر إهانة للطبيعة والفن، وهو أمر لا يمكن أن نضع له أي تبرير، غير أن الهدف منه الوصول إلى الإعلام الذي كان يمكن أن تكون هناك أكثر من طريقة أخرى للوصول إليه، لا أن تتعمد تشوية لوحات عالمية يبلغ عمرها 600 عام على سبيل المثال، حيث يسافر الزائرون من بلد إلى آخر لمشاهدتها ولو لنصف دقيقة، وتجبر رغماً عنك لقبول ما قام به مثل هؤلاء النشطاء لأنهم يعتقدون إن لم يفعلوا ذلك فلن يلتفت أحد إلى قضيتهم.

أكثر ما أضحكني خيبة وألماً حينما قرأت في الحساب الرسمي لـ «الجيل الأخير» أو «أولتيما جينارسيون» حيث نشر بياناً على منصة «تويتر» يقول فيه إن استهداف لوحة مثل لوحة «الربيع» للفنان بوتشيلي جاء بعد التأكد من أنها ستكون محفوظة بإطار زجاجي ولن تُصاب بأي ضرر.

* روائية وكاتبة سعودية.