الفلسطينيون هم شعب تحت الاحتلال، وهذا مثبت بالقانون الدولي وتم إقراره كحقيقة تاريخية مستمرة منذ عام 1967 من قبل المجتمع الدولي. والضفة الغربية التي خسرها الأردن في حرب يونيو 1967 كما خسرت مصر سيناء، وسوريا هضبةَ الجولان، هي أرضٌ محتلةٌ حسب قرارات المجتمع الدولي النافذة حتى اليوم.
كان هناك أكثر من اختراق للوقائع التاريخية والجغرافية المدعمة بالشرعية الدولية، وأول تلك الاختراقات كان القبول العربي، في فترة المد القومي، لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. وحسب مذكرات الراحل عدنان أبوعودة، وهو أحد شهود ذلك العصر، ومن دائرة صناعة قرار الملك الأردني الراحل حسين، فإن كبسولة «المنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني» كانت وصفةً كيسنجريةً تم تمريرها من تحت الطاولة للقيادة المصرية أيام الرئيس الراحل أنور السادات، وانتهت إلى تجييش عربي برعاية الجامعة العربية في قمة الرباط عام 1974، حيث ضغط الجميع على الملك حسين لقبول تلك الشرعية «الوحيدة» بديلاً عن شرعية سيادته على الضفة الغربية والتي خسرها هو لا غيره في حرب عام 1967.
ورغم ذلك، بقيت الضفةُ الغربية تحت إدارتين، إدارة الاحتلال الإسرائيلي وإدارة أردنية لبعض المرافق الحيوية في الضفة من بينها المرافق الدينية، بل إن العملة المتداولة كانت الدينار الأردني في المعاملات البينية اليومية غرب النهر، وكان جسر الملك حسين (اللنبي) معبرَ مرور مزدحم بالأفراد والبضائع بين ضفتي النهر، وبانسيابية رغم الاحتلال.
توالت الاختراقات بعد تلك الكبسولة التي ابتلعها العرب جميعهم تقريباً، وحده الملك حسين لم يبتلعها، لكن في عام 1988 أعلن الملك حسين، وبقرار منفرد (بلا برلمان ولا إجراءات دستورية) فك الارتباط مع الضفة الغربية قانونياً وإدارياً، وأعلن قرارَه في خطاب غاضب لم يخف فيه انزعاجَه الشديد من سياسات المنظمة التي انتهت بعد فك الارتباط نفسه (كأن الارتباط كان يشكل عائقاً أمام المنظمة) بإعلانها من الجزائر قيام «الدولة الفلسطينية»، ومن طرف واحد.
فلسطينياً، كان إعلانُ الجزائر نقطةً مفصليةً في تاريخ المنظمة التي قامت على «شرعية» الكفاح المسلح، إذ تخلّت عن الكفاح المسلح وعن ميثاقها الفلسطيني كله بعبارة نطَقَها ياسر عرفات بالفرنسية حين قال إن الميثاق «caduque»، بمعنى أنه باطل. وكان ذلك قرباناً للحصول على القبول من طرف إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان.
وفي عام 1991، لم تستطع منظمة التحرير الفلسطينية أن تكون مفاوضاً مباشراً في عملية السلام التي قرّر المجتمعُ الدولي خوضَها في أول مفاوضات مباشرة بين العرب وإسرائيل، فدخل الفلسطينيون بممثلين حقيقيين يمثلونهم من الداخل الفلسطيني، لكن تحت مظلة أردنية، فالمؤتمر يحتاج إلى كيانات شرعية معترف بها!
وبموازاة مدريد وخروجاً عنها، كان الاختراق الأخطر هو محادثات أوسلو السرية، حيث كان ممثلو منظمة التحرير يجتمعون برسميين إسرائيليين، لتنتهي المحادثات بـ«اتفاق أوسلو»، وهو اتفاق على مراحل، انتهى اليوم إلى طريق مسدود بالكامل.
حسناً.. نحن أمام «caduque» جديدة، فأوسلو بكل ما فيها ونتائجها هي الآن باطلة أمام سلطة فلسطينية عاجزة، ويمين إسرائيلي لا يريد النزول من الشجرة.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا