يريد الرئيس الأميركي جو بايدن استثمار الحرب في أوكرانيا واحتمالات استمرارها كحرب أو كأزمة دولية، لطرح نفسه ثانيةً كمرشح للحزب الديمقراطي في السباق الرئاسي سنة 2024، خصوصاً أن هذه الحرب مرشّحة للتشعّب إلى حروب أخرى متناسلة في أكثر من منطقة. وفي العادة يميل الناخبون الأميركيون إلى إبقاء الرئيس في منصبه طالما أن الأزمة التي يديرها لا تزال متفاعلةً.

ويسعى الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الترشّح مجدّداً عن الحزب الجمهوري بعدما تيقّن بأنه لا تزال لديه شعبية كبيرة ظهرت معالمُها مجدّداً في الانتخابات النصفية الأخيرة في نوفمبر الماضي، وإنْ لم تُفضِ إلى سيطرة كاملة على مجلسي الكونغرس.

ولا بدّ أن ترامب سيستند إلى حرب أوكرانيا وتبعاتها العسكرية والمالية، وإلى رفض جناح من الجمهوريين الأعباءَ التي راكمتها تلك الحرب على الاقتصاد الأميركي وهو في مرحلة التعافي. بل سيستند ترامب أيضاً إلى قدرته على التفاهم مع روسيا، لإقناع الجمهور الأميركي بأنه يستطيع معالجة أي أزمة دولية معقّدة دون الاضطرار للانخراط فيها عسكرياً أو لتركها تندفع إلى مخاطر نووية كما هي الحال الآن.

لكن فضائح إخفاء الوثائق السرّية باتت مرشّحة لأن تطيح بطموحات الرجلين، إذ أُخضعت واقعةُ العثور على مئات الوثائق في إقامة الرئيس السابق للتحقيق منذ أغسطس الماضي، كذلك واقعة اكتشاف ملفات مماثلة في نوفمبر الماضي في مرآب منزل الرئيس الحالي وفي مكتب كان يستخدمه سابقاً. وتتفاوت المعلومات المتوفّرة عن «الفضيحتين» في تحديد نقطة انطلاقهما، وما إذا كانت الإشارة الأولى جاءت من هيئة المحفوظات الوطنية قبل أن يتولّاها مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، لكن الواضح أن «الدولة العميقة» تلعب الدورَ الأهم، والأكثر وضوحاً هو أن لدى كل طرف موالين في تلك «الدولة» ينقّبون عن «أخطاء» الآخر.

ربما كان مفهوماً أن يُسأل ترامب عن أوراق نقلها قبل عامين، أما أن «تُكتشف» مصادفة أوراق سرية للغاية نقلها بايدن قبل ستة أعوام فهذه تحتاج إلى معلومات خاصة جداً. لكن لماذا يحصل كل ذلك، فالسوابق قليلة، طالما أن سلطة الرئيس تسمح له بنزع السرّية عن أي وثيقة يريد الاحتفاظ بها بعد مغادرة البيت الأبيض. أما ما يدعو رئيساً أو نائب رئيس إلى إخفاء وثائق فلا شك بأنه يرى أن دورَه السياسي لم ينتهِ بعد، أو أنه يمكن أن يستخدمها في مصالح وعلاقات داخلية وخارجية.

غير أن المسار الممتد من كشف الرسائل الإلكترونية لهيلاري كلينتون وانعكاساته على حملتها الرئاسية، إلى قضية التدخّل الروسي في الانتخابات، إلى كشف أن ترامب تحدث عن مسائل سرّية حول سوريا في اجتماع مع وزير الخارجية الروسي (2017)، إلى وثائق ترامب وبايدن.. يكاد يكون واحداً ويعكس التغيير الحاصل والمتواصل في عمق الممارسة السياسية الأميركية. وهو مسارٌ بلغ نقطةً خطيرةً في الهجوم على مبنى الكابيتول (6 يناير 2021) واستطراداً في محاولة تمييع التحقيق بشأنه. ينشط المحللون في مقارنة حالَي الرئيسين الحالي والسابق إزاء قضية الوثائق وما تنطوي عليه من مخالفات (أو جرائم) بموجب قانون السجلات الرئاسية وقوانين مكافحة التجسس.

بدهي أن الرئيسين يتضرّران، إذ أن ترامب لم يستطع إثبات أنه نزع طابعَ السرّية عما نقله وفقاً للقواعد المتّبعة في حالٍ كهذه، لكن الضرر سيكون أكبر على بايدن تحديداً لأنه سيخضع للتحقيق وهو موجود في منصب الرئاسة. أما الخلاصة السارية على ألسنة المعلّقين فهي أن الناخبين لم يعودوا يستطيعون الوثوق بأي الرجلين.

*كاتب ومحلل سياسي - لندن