بعد أداء حزبها المخيّب للآمال في الانتخابات النصفية، يبدو أن نخب الحزب الجمهوري قررت أن دونالد ترامب هو مشكلتها الأكبر. فإمبراطورية مردوخ الإعلامية شنّت هجوماً قاسياً على الرئيس السابق. والعديد من المانحين والأعضاء أخذوا يلتفون حول حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، على ما يقال. لكن ترامب الذي يتوقع على نطاق واسع أن يعلن عن حملته الرئاسية لانتخابات عام 2024، هذه الأيام، لن يغادر الساحة السياسية قريباً. 
لكن، هل يحصل ترامب على ترشيح «الجمهوريين» رغم التخوفات الحالية داخل نخبتهم؟ وهل يقدِم رجل لم يبدِ أي ولاء لحزبه على شق الحزب الجمهوري انتقاماً لعدم حصوله على الترشيح؟ الحقيقة أنني لا أعرف أكثر مما يعرفه أي شخص آخر يتابع الأخبار. وبدلاً من ذلك لنتحدث عن كيف أنه من المذهل حقاً أن يتمكن ترامب من الهيمنة على أحد حزبي أميركا الرئيسيين ويحافظ على قاعدة مهمة من الأنصار. لا أتحدث عن حقيقة أن لدى ترامب ما أسميها آراء سياسية غير نمطية أو حتى حقيقة أنه انخرط في عدد من الأعمال التي يمكن وصفها بـ«التحريضية»، ومنها محاولة قلب انتخابات وطنية. فمن الواضح أن معظم الحزب الجمهوري لا يرى غضاضةً في كل ذلك. بل أتحدث عن صورة ترامب لدى كثير من الجمهوريين بوصفه زعيماً قوياً، في حين أنه ليس كذلك. 
ولنبدأ بالطابع الشخصي، رغم أنه ليس موضوعي المفضل (فأنا أرتاح للحديث عن السياسات أكثر من الأشخاص)، لكن من الواضح أنه شيء مهم حين يقوم المرء بعملية اختيار قائد أعلى للقوات المسلحة. شخصياً، أعتقد أنه ليس من باب الحنين إلى الماضي القول إنه في الماضي كان على السياسيين الذين يسعون وراء الرئاسة أن يظهروا بمظهر رئاسي. أي أنه كان عليهم أن يُبدُوا جاذبيةً وكرامةً، وأياً يكن سلوكهم وراء الأبواب المغلقة، كان عليهم أن يُبدوا أمام الجمهور نضجاً وكياسةً وأن يتصفوا بالرصانة والاتزان. والحال أن ترامب يجعلنا نحار في تصنيفه العمري حين نسمعه يصف نفسه بالعبقري ونراه يتنقل بين عبارات التشكي والتذمر وعبارات التفاخر والإشفاق على الذات. ولعل أبرز ما يلفت الانتباه بخصوص فترة ترامب في الرئاسة عجزه عن القيام ببعض الأشياء المهمة. فبخصوص السياسة الداخلية، ترشح ترامب في عام 2016 باعتباره نوعاً مختلفاً من الجمهوريين، نوع يقطع مع أرثوذوكسية الحزب في خفض الضرائب ومعارضة الحكومة. غير أنه بمجرد دخوله البيت الأبيض، كان طيعاً منقاداً في يدي ميتش ماكونل. ومبادراته الرئيسية الوحيدة في السياسة الداخلية كانت محاولة فاشلة لتفكيك قانون «أوباماكير» للرعاية الصحية وخفض ضرائب الشركات والأغنياء.
وماذا عن وعوده بالاستثمار في البنية التحتية؟ الواقع أن لا شيء منها تحقق، وقد أصبحت عبارة «إنه أسبوع البنية التحتية!» نكتةً متداولة تتردد على ألسنة الكثيرين. 
وبخصوص السياسة الخارجية، تلاعب زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون بترامب، إذ أعطاه تطمينات فارغة حول نزع الأسلحة النووية. والشيء نفسه تقريباً فعلته الصين بخصوص التجارة، حيث أقنعت ترامب بتعليق رفع رسومه الجمركية مقابل وعد بشراء السلع الأميركية تبين أنه غير قابل للتطبيق. 
وباختصار، إن أداء ترامب في الرئاسة كان دون المستوى خاصة بالمقارنة مع أداء خلفه.
صحيح أن الرئيس جو بايدن لم يحصل على كل ما كان يريده بخصوص السياسة الداخلية، لكنه حصل على مشروع قانون مهم بخصوص البنية التحتية، وعلى إنفاق غير مسبوق لمكافحة تغير المناخ وتقويةٍ مهمةٍ للرعاية الصحية في «قانون خفض التضخم». ثم إن أداء «الديمقراطيين» القوي على نحو غير متوقع في الانتخابات النصفية ربما يضمن استمرار نجاح هذه السياسات. 

وفي الخارج، جمع بادين ائتلافاً لدعم أوكرانيا وحافظ عليه، ائتلاف مكّن هذا البلد من مقاومة العملية العسكرية الروسية، وهو نجاح كبير جداً للسياسة الخارجية يذكِّر بالدور الذي اضطلعت به أميركا قبل هجوم «برل هاربر» باعتبارها «ترسانةَ الديمقراطية». كما تُعد سياسة بايدن تجاه الصين، التي تفرض قيوداً على الصادرات بهدف إضعاف طموحات الصين التكنولوجية، أكثر شراسةً بكثير من أي شيء فعله ترامب، على الرغم من أنها لم تحصل على القدر نفسه من اهتمام الإعلام. 
غير أن بايدن كثيراً ما يصوَّر على أنه ضعيف ومشوش، في حين اعتُبر ترامب من قبل 90٪ من الجمهوريين «زعيماً قوياً» في اليوم الذي ترك فيه المنصب مكرهاً. فكيف أمكن هذا؟ 
عبادة شخصية ترامب ربما تعود جزئياً إلى بعض القوى التي تتجاوز السياسة. وعلى كل حال، كنا في الماضي نتوقع من رجال الأعمال النافذين والسياسيين سلوكاً أكثر موضوعية. لكن ربما لأن «ثقافة المشاهير» طالت كل شيء هذه الأيام، بات زعماءُ الأعمال يُؤخذون على محمل الجد حتى حينما يبدون عاجزين عن السيطرة على الأنا. 
وعلاوةً على ذلك، فإن النخب الجمهورية التي تحاول اليوم النأيَ بنفسها عن ترامب أمضت سنوات في تلميع صورته. فقبل أيام قليلة فقط، خصصت قناة «فوكس نيوز»، التي تُعد المصدر الرئيسي للأخبار السياسية بالنسبة لمعظم قاعدة الحزب الجمهوري، لترامب تغطية محابية من النوع الذي قد يتوقعه المرء من وسائل إعلام تابعة للسلطة في بلد أحادي الحزب! كما أن السياسيين الجمهوريين، وكثير منهم عرفوا ترامب في الواقع، أمضوا سنوات في الإشادة به على نحو يذكِّر بأعضاء المكتب السياسي في أحد الأحزاب الشيوعية وهم يغدقون المديح على زعيم الحزب. 

الآن تلك النخب نفسها تريد الإبقاء على مسافة مع ترامب، وربما إبعاده من الحزب. غير أنهم لئن كانوا قد يستطيعون حرمانه من الترشيح، فإنهم ربما لن يستطيعوا تجنب دفع ثمن باهظ عن مواقفهم السابقة المجامِلة. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»


Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/11/14/opinion/donald-trump-republicans-gop-weakness.html