تم بناء كاليفورنيا على مغامرة كبيرة للري. فكثير من الأراضي في غرب الولايات المتحدة، إذا تُركت لحالها، لن يكون بوسعها استيعاب مدن تضج بالحيوية. لكننا أميركيون، ولا يمكننا ترك الصحراء تقف في طريقنا. ومنذ أكثر من قرن، بدأ مكتب الولايات المتحدة لاستصلاح الأراضي في ترويض المياه في الغرب. لقد كان مشروعاً ناجحاً بحق. وفي كاليفورنيا التي أُقيمَ فيها المشروعُ، حوَّل الريُّ المناطقَ القاحلةَ إلى أراض زراعية أصبحت الأكثر خصوبةً في البلاد ومدناً هي الأكثر ازدهاراً. لقد بنينا «أكثر حضارة صحراوية طموحاً شهدها العالَم»، كما قال مارك رايزنر في كتابه «صحراء كاديلاك» الذي يمثل تاريخه لعام 1986 عن الري في الغرب.
وقد فكرتُ كثيراً في «صحراء كاديلاك» خلال الأسابيع القليلة الماضية، مع هطول الأمطار وتساقطها واستمرارها في التساقط فوق كاليفورنيا. ويبدو أن الكثير منها، رغم الماء المنهمر من السماء، سيظل على الأرجح في قبضة جفاف شديد. وقد توقَّعَ ريزنر هذه اللحظة. لقد كان قلِقاً من أن نجاح الغرب الأميركي في الري قد يكون سراباً، إذا اعتبرَ الماءَ أمراً مفروغاً منه ولم يقدِّر مدى أهمية قدرتنا على السيطرة عليه. وكتب يقول: «كل شيء يعتمد على استغلال المياه، على احتجازها خلف السدود وتخزينها وإعادة توجيهها في أنهار خرسانية تمتد مئات الأميال. لولا قرن ونصف من الجهد الذي لا يكل لتحقيق هذه الغاية، لما كان الغرب الأميركي كما نعرفه موجوداً». 
لكن ماذا يحدث لهذا القرن من الري حين يتغير المناخ كما هو الآن؟ يقول خبراء إن تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم «نوبة المناخ» في كاليفورنيا وأننا سنعاني بشكل متزايد لسنوات من الجفاف الشديد لفترات طويلة يليه هطول لا راد له للأمطار. هل يمكن لمجتمع أن يتكيف مع مناخ من الكوارث المتعارضة؛ موجات جفاف شديدة وهطول شديد للأمطار؟ نفسياً، يصعب الحفاظ على هذا التوازن. ومن الصعب الاهتمام بالجفاف بينما هناك فيضان، والعكس صحيح. وتعديل البنية التحتية واستخدام المياه في ظل مناخ متطرف سيتطلب بعض التغييرات الكبيرة، وربما المؤلمة لقطاعات كبيرة من جمهور الناخبين في الولاية. وسيتعين على المزارعين التخلي عن بعض الأراضي الزراعية وزراعة محاصيل مختلفة. وقد يضطر أصحاب المنازل والمطورين العقاريين إلى ترك بعض المناطق المعرَّضة للفيضانات غير مأهولة. وسنضطر إلى تغيير مدننا للحصول على مزيد من المياه وتغيير أنماط حياتنا لاستخدام كميات أقل منها.
ويرى بيتر جليك، المؤسس المشارك والزميل البارز في معهد المحيط الهادئ، أن نظام المياه في كاليفورنيا «تم تصميمه وبناؤه وتشغيله لظروف مناخية مختلفة - لمناخ القرن العشرين، وليس القرن الحادي والعشرين». لكنه يرى سبباً للتفاؤل بأننا سنتمكن من معالجة هذه المشكلة لأن حكومة كاليفورنيا تستوعب مشكلة التغير المناخي وتعتزم معالجتها. 

وأنماط هطول الأمطار في ولاية كاليفورنيا متقلبة أصلاً. لقد مررنا دائماً بسنوات جافة جداً وسنوات ممطرة جداً. لكن تغير المناخ يزيد من حدة هذه الظاهرة. وتوصل تقرير مناخي في الآونة الأخيرة عن الولاية إلى أن تقلبات المناخ من عام لآخر تفاقمت بشدة منذ الثمانينيات. وأي شخص يعيش في ولاية كاليفورنيا على مدار العقد الماضي رأى هذا عن كثب.
ولا يقتصر الأمر على سنوات مطيرة تجلب مزيداً من المياه، بل يشمل كذلك طريقةَ تساقط المياه. فنظراً لتزايد درجات الحرارة، فقد تقلصت الثلوج كثيراً في كاليفورنيا خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما يمثل مشكلةً لعدة أسباب؛ فالثلج يعمل كنوع من «الخزان المتجمد» الذي يخزن المياه من موسم إلى آخر. والثلج يتساقط في الشتاء، ثم يتحول إلى إمدادات مياه في كاليفورنيا مع ذوبانه. لكن حين تهطل الأمطار بغزارة وتأتي العواصف في تتابع سريع كما حدث في الآونة الأخيرة، لا يتم تخزين المياه بسهولة بل تصبح مدمرةً بدلاً من ذلك. ووجدتْ دراسةٌ نشرتها مجلةُ «أبحاث الموارد المائية» عام 2019 أن خطر الفيضانات يتفاقم مع تحول تساقط الثلوج إلى هطول أمطار، وأن الفيضانات الناجمة عن الأمطار قد تكون أكبر بكثير من الفيضانات الناجمة عن ذوبان الجليد. وحين يسقط المطر على الثلج، يذوب الثلج بشكل أسرع. وحين يتساقط المطر على المدن، لا يتم احتجاز إلا القليل منه ويذهب الكثير منه إلى البحر. 
لكن احتجاز مياه العواصف فرصة كبيرة. ولسنوات، عكفت مقاطعة لوس أنجلوس على بذل جهد هائل لتخزين المزيد من مياه الأمطار لاستخدامها. وتتضمن الخطةُ إنشاءَ مساحات من الأرض يُسمح فيها لمياه الأمطار بالتجمع، وتركيب براميل لتخزين مياه المطر وطرق أخرى لتجميع المياه في المباني السكنية والشركات، وإنشاء بنية تحتية لامتصاص المياه في الطرق والأرصفة، مثل قنوات الصرف والأرصفة المصنوعة من مواد تتشرب المياه. وأفاد مسؤولون أنهم جمعوا 33 مليار جالون من المياه خلال العواصف الأخيرة، وهو ما يكفي لأكثر من 800 ألف شخص لمدة عام. وقد يؤدي توسيع مثل هذه الجهود على مستوى الولاية إلى إنتاج كثير من المياه الجديدة. 
ومن الواضح أيضاً أن القطاع الزراعي في كاليفورنيا يجب أن يستخدم كميات أقل من المياه. وتمثل الزراعة حالياً 80 بالمئة من استخدام المياه في كاليفورنيا. وفي سنوات الجفاف، تتم الاستعانة بكثير من المياه الجوفية، وهي ممارسة يقول الخبراء إنها لا يمكن استدامتها. وبوسع المزارعين تقليص هذه الكمية من خلال زراعة محاصيل أقل استهلاكاً للمياه. وحالياً، يُزرع كثير من أراضينا بمحاصيل تحتاج مياهاً كثيرة مثل البرسيم واللوز. لكن يجب تقليص القطاع الزراعي. وستحتاج الأراضي الزراعية إلى فترة راحة، وفقاً للباحثين في معهد السياسة العامة في كاليفورنيا.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2023/01/20/opinion/california-drought-flooding-climate-change.html