لا يكفي النظر إلى عدد العمليات الإرهابية في فترة قصيرة لبناء مؤشر كامل الدلالة يمكن الاعتماد عليه. ربما ينخفض هذا العدد في وقت ما لأسباب قد لا تتوافر في وقت آخر. كما أن العمليات الإرهابية التي تُنَفذ تكون عادةً أقل مما خُطط له. فثمة عمليات يُشرع في الإعداد لها ولكنها تُحبط، أو قد تؤجل لأسباب تقنية أو لوجتسية.
والأهم من هذا أن عدد العمليات الإرهابية التي تُنفَّذ لا يعطي صورةً حقيقيةً لمخزون العنف الذي يُعد بمثابة الاحتياطي الاستراتيجي للجماعات الإرهابية. ولهذا يحسن أن يُقرأ ما تتضمنه مؤشرات الإرهاب، التي تصدرها مراكز أبحاث، باعتباره تقديراً كمياً أو رقمياً يتطلب تحليلاً يضعه في الإطار الأوسع والأكثر دلالةً على حالة الإرهاب في فترة محددة.
ولنأخذ مؤشر الإرهاب في أوروبا الصادر عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب مثالا. يُفيد هذا المؤشر أن عدد العمليات الإرهابية في أوروبا انخفض عام 2022 مقارنةً بما سبقه. وهذا تطور إيجابي بالتأكيد، ويعود إلى أسباب قد يكون بعضها مؤقتاً مثل ارتباك تنظيم «داعش» إثر مقتل زعيمه وعدد من مساعديه في أكتوبر الماضي. كما أنه من الصعب الاعتماد على أرقام عام واحد، واستخلاص نتائج منه على مدى أطول. وهذه قاعدة عامة تنطبق على حالة الإرهاب التي ترتبط بمخزون العنف الناتج عن تنامي قدرة جماعاته على استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في التلقين والتحريض. ففي 2022 أيضاً أُغلقت نحو سبعة آلاف قناة رقمية تُحّرض على العنف الديني. وأفاد تقريرٌ لفريق العمل المشترك بين المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) ومنصة تليجرام أن جهودهما أسفرت عن إزالة أكثر من 15 مليون محتوى متطرف في العام نفسه. وليس هذا إلا جزءاً من خطاب العنف الذي يعج به الفضاء الافتراضي في منصات عدة.
ويعود خطر انتشار هذا الخطاب عبر وسائل التواصل الرقمية إلى ازدياد أعداد مَن يتأثرون به بدرجات متفاوتة. ويصبح كل مَن يَشتدُّ تأثرُهم به مشروع عنصر إرهابى، الأمر الذي يخلق مخزوناً للعنف ورصيدًا للإرهاب. والمهم، هنا، أنه يصعب قياس هذا الرصيد أو ذلك المخزون بدقة، أو معرفة أين ومتى ستستفيد جماعة إرهابية أو أخرى منه. وإذا كانت جماعات الإرهاب أخفقت في ذلك عام 2022 في أوروبا، وفي الشرق الأوسط أيضاً، فقد اختلف الأمر في مناطق أحرى مثل غرب إفريقيا وجنوبها الشرقي.
ورغم تراجع قدرة «داعش» على تنفيذ عمليات في سوريا والعراق خلال عام 2022، فقد احتفظ بملاذات آمنة تتيح لأعضائه الاختباء والتدريب في بعض مراكز البادية السورية، وبعض المحافظات العراقية، وفقاً لتقرير اللجنة الخاصة بمتابعة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» إلى مجلس الأمن في 15 يوليو 2022.
ولهذا يتعين الحفاظ على حالة التأهب في مواجهة الإرهاب بغض النظر عن محتوى المؤشرات المتعلقة به.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية