لا يُعَدُّ «الترند»، أو الاتجاه، في الصحافة أمراً مستجدّاً في حد ذاته، بل هو ثمرة للحركات الصحفية التي سعت منذ منتصف القرن الماضي إلى رفع دَور سرد القصص والتفسير الموضوعي في الممارسة الصحفية.
هذا الكلام سجَّلته ديفون باورز، أستاذة الصحافة في جامعة ميتشجان، في سياق بحثها عن صحافة «الترند» التي تقول عنها أيضاً إنها تُظهر حدودها بصفتها أساساً يفهم الصحفيون من خلاله العالم، ويشرحونه لقرائهم.
ولكننا نعيش اليوم شكلاً لـ«الترند» يقع في منطقة تسبق أهمية الحدث نفسه، فصنَّاع المحتوى، ومتابعوهم، ومنصَّاتهم، يضعونه بصفته محدِّداً رئيسيّاً لأهمية الحدث، وليس العكس، فيؤدِّي «الترند» الدور الذي كان يؤدِّيه الخبر يوماً ما. وهؤلاء يظل اهتمامهم موجَّهاً نحو عملية التفاعل مع «الترندات»، وهم يعبِّرون عن آرائهم تجاهها، أو يعلِّقون عليها بطريقتهم الخاصة. وكثيرون منهم ممَّن يسعون وراء الشهرة يعملون على مواكبة «الترند»، ويتحدثون عنه، ليضمنوا زيادة مشاهداتهم، ليصلوا إلى أكبر عدد ممكن من المتابعين.
والغريب أنه بينما يعرف الصحفيون مفهوماً محدَّداً للخبر، وينشرونه، أو يبثونه، وفقاً لمقتضيات مرتبطة بالأهمية بصفته حدثاً مؤثراً له تبعاته، فإن «الترند» الذي يقود الإعلام الآن ليس له مفهوم محدَّد وواضح، فهو يمثِّل ما هو شائع في وقت معيَّن، أو يعني تطوراً عامّاً، أو تغييراً في الطريقة التي يتصرف بها الناس تجاه موقف معيَّن.
وتبعاً لذلك تتحرك الوسائط الاجتماعية وفق «ترندات» مختلفة تستند إلى حجم تبادل المحتوى، ووتيرته، والتفاعلات بين المستخدمين، التي تظهر على منصاتها. ومن المهمِّ تحديد «الترندات» في هذه المنصات وفقاً لأغراض مختلفة، على رأسها الترويج، والتسويق، وإبراز المزايا التنافسية، والعديد من أهداف الأعمال التجارية الأخرى.
ولكننا يجب أن نفهم أن أي «ترند» هو حالة سريعة في التغيُّر، على نحو دائم وغير معقول، فربَّما يتغير بين يوم وليلة، وقد يكون مصنوعاً عن قصدٍ لبناء وجهات نظر، أو التحشيد لها، وبذلك يكون «الترند» ورقة ضغط للفت الانتباه، أو تغيير الاتجاهات.
ونحن ندرك تماماً أننا نعيش في منظومة اتصال جديدة، وبيئة إعلامية تتحرك بسرعة في اتجاهات لا حدَّ لها، وقد تغيَّرت فيها الطريقة التي يستهلك بها الأشخاص المحتوى بشكل كبير، وهذا هو السبب في أن الموضوعات التي تُنشَر في «إنستجرام»، أو «تيك توك»، أو «سناب شات»، تنتشر سريعاً، فالمحتوى هنا جذَّاب، وقصير، ومسبِّب للإدمان بالتأكيد، لأنه يجعل الأشخاص يقضون ساعات في متابعة الموضوعات بلا تفكير.
وفي «تويتر»، على سبيل المثال، يقود «الترند» الرأي العام، وليس الخبر، والحدث، والمقال، والتحليل، والتحقيق الاستقصائي، وهذا وضع لا يمكننا تجاهله في مؤسسات صناعة الإعلام وتدريسه، بل يجب علينا فهمه، والتعامل معه بصفته موجِّهاً للكيفية التي يصنع بها الإعلام الجديد الحدث، ويضعه في أعلى سلَّم أولويات المتابعة.