خلال العام الماضي كان المستثمرون والاقتصاديون والصحفيون يتحدثون معظم الوقت عن الركود، وربما سئموا من ذلك. ربما يرغب الجميع الآن في الحصول على استراحة من أحاديث عام 2022 والانتقال إلى قصة أخرى. ولسوء الحظ، من غير الواضح ما إذا كان الواقع سيساعد على تحقيق ذلك أم لا، فمن المحتمل جداً أن الإرهاق الجماعي من أحاديث الركود قد يلقي بظلاله على حكمنا على موقفنا من التهديد الذي يمثله شبح التراجع المحتمل.

وهذا أمر مفهوم، إذ ظهرت كلمة «الركود» في أكثر من 650 ألف عنوان إخباري العام الماضي، وبلغت الهستيريا ذروتَها في يوليو. في ذلك الوقت، تكهّن الكثير من الناس بأن الولايات المتحدة كانت بالفعل في حالة ركود. ورغم أنها لم تكن كذلك، فقد أمضينا بقية العام نتحدث عن ركود يلوح في الأفق، خاصة أن البطالة كانت على وشك الارتفاع. كان من المتوقع أن تنخفض أسعار المساكن، وقد ينخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى 3000 نقطة. لقد كانت هناك حالة من الكآبة لدرجة أن الاتجاه الهابط أصبح معتاداً.

بعد 12 شهراً من التشاؤم الذي لا هوادة فيه، لم تتحقق أي من هذه التوقعات، لذا من المؤكد أن هذا السلوك المبالغ فيه كان في غير محله، كما يعتقد البعض. وفي هذا الشهر، تحولت الأسواق نحو الأفضل وسط كل أجواء العام الجديد الدافئة والغامضة. لكن هل يمكن الركون إلى مثل هذا التفاؤل، أم أننا ببساطة شعرنا بالملل وصرنا نحاول الوصول إلى سرد جديد لكسر الرتابة؟

إذا هبط المستثمر بالمظلة إلى عام 2023، دون أن يتحمل 2022، فهل سيمكنه الوثوق في السوق؟ ضع في اعتبارك التاريخَ الطويلَ لانتعاش الأسواق المالية قبل الركود. غالباً ما كان التجار يراهنون على مؤشر ستاندرد آند بورز 500، قبل أن يشعروا أن الاقتصاد كان ينهار حقاً. وفي وقت الانتعاش المذكور، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي على وشك إنهاء حملة من الزيادات في أسعار الفائدة، لكن كان لا يزال من السابق لأوانه رؤية العواقب الكاملة.

حتى الاقتصاديون سريعو التأثر ببضع إشارات أخيرة من تفاؤل الدورة المتأخرة الذي هو في غير محله، غالباً ما يكتشفون أن هناك انخفاضاً طفيفاً في احتمالية حدوث ركود وشيك في استطلاع آراء المتنبئين المحترفين قبل أو في الوقت الذي يبدأ فيه الاقتصاد بالانكماش.

- في أواخر الثمانينيات، كان الاقتصاديون قلقين بشكل روتيني بشأن الركود، لكنهم في الواقع أصبحوا أكثر تفاؤلاً قليلاً قبل أن يبدأ الانكماش في منتصف عام 1990.

- شهد عام 1999 جدلاً منتظماً حول الركود، ثم هدأ قبل أن يبدأ في مارس 2001. حتى أثناء الركود، كان هناك تحسن في المشاعر في ثلاثة أشهر، إلى أن حدثت الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، ورأى الجميعُ الصورةَ كاملةً. - وبالمثل، كان هناك الكثير من النقاش حول الركود في أواخر عام 2006، لكن بعد ذلك، لم يكن بعض الاقتصاديين يعرفون ما إذا كان الوقت مبكراً لكي يعترفوا بأنهم كانوا مخطئين، وخفضوا لفترة وجيزة احتمالات الركود في أوائل عام 2007. ومرة أخرى، كان هناك انخفاض طفيف في احتمالات حدوث الركود التي وضعها الاقتصاديون حتى بعد أن بدأ الركود بالفعل، حيث أدى انهيار بنك ليمان براذرز إلى محو أي شك باقٍ. والآن، نعود إلى الوقت الحالي. أسوأ موجة تضخم منذ أربعة عقود تنحسر، ويعمل المستثمرون بنشاط على التخلص من نهاية زيادات أسعار الفائدة الفيدرالية. ولا تزال حصيلة المدخرات التي جمعتها الأسرُ خلال جائحة «كوفيد-19» كبيرة، بينما لا تزال البطالة عند أدنى مستوى لها منذ 50 عاماً.

وكما كان الحال في الماضي، فإن المتفائلين لديهم الكثير للانخراط فيه، ولا توجد علامة على حدوث صدمة جديدة لإثبات صحة مخاوفهم. لكن التاريخ في جانب المتشائمين، فنادراً ما كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يتمكن من رفع أسعار الفائدة دون إبعاد الاقتصاد عن الهاوية، لذلك من الصعب تصديق أنه يمكن أن يحقق مثل هذا العمل الفذ، بينما يتحرك بأسرع وتيرة في العصر الحديث. وإضافة إلى هذه المخاوف، فقد انتقلت مقاييس معهد إدارة التوريد لأنشطة التصنيع والخدمات إلى منطقة الانكماش، بينما انخفضت مبيعات التجزئة في تقريرين شهريين متتاليين، ومبيعات المنازل آخذة في التراجع هي كذلك.

من المغري التمسك بالنظريات حول السبب في أن الأمر مختلف هذه المرة. وربما لم تعد «فترات التأخر الطويلة والمتغيرة» للسياسة النقدية تنطبق على نفس المدى. ربما ستدعم قوة الميزانيات الأسرية الاقتصاد. على أي حال، فقد سئم الجميع من السلبية. لكن ما تزال هناك فرصة جيدة لأن يكون انطباعنا الأول عن هذا الاقتصاد، ذلك الانطباع السيئ العائد إلى أوائل عام 2022، صحيحاً طوال الوقت، وعلينا مقاومة الرغبة في تغيير أذهاننا لمجرد أننا سئمنا نفسَ القصة القديمة.

جوناثان ليفين*

صحفي لدى «بلومبيرج» يغطي الشؤون المالية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»