ثمة بعد آخر لحرب أوكرانيا، لا يقل أهمية عن القتال الفعلي على الأرض، وهو الحرب المعلوماتية، التي تدور رحاها في الفضاء الإعلامي والسيبراني، حيث تنحرط روسيا وأوكرانيا في حرب معلومات ضد بعضهما البعض.

وتنتظم الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى جانب أوكرانيا في هذه الحرب. كما تتابع الصين وبيلاروسيا جهودهما لتصوير الصراع بشروطهما الخاصة، ولإظهار دعمهما لموقف روسيا ومناهضة الولايات المتحدة وحلف الناتو. وتستخدم الأطراف المتصارعة كل وسائل الإعلام التقليدية والجديدة أو وسائل التواصل الاجتماعي، وتوظف جميع أدوات وتكنيكات حرب المعلومات، مثل الحملات الإعلامية، والمعلومات المضللة، والدعاية وغيرها.

ويهدف الطرفان الرئيسان في الحرب إلى التحكم في أخبار الصراع التي تصل إلى مواطنيهما. ولذلك، يمارسا التقييد على مصادر الأخبار ووسائل الإعلام، ولا سيما تلك التي تعرض وجهات نظر مختلفة عن الحرب. كما يشنا حملات على الصحفيين ووسائل الإعلام والمدونين وغيرهم.

ويلاحظ أنّ حملة التقييد أشد قوةً وأكثر تأثيراً في روسيا لدرجة تهديد وجود أي وسيلة إعلام مستقلة. ولذلك، اضطرت منصات إخبارية روسية، مثل «نوفايا جازيت» و«صدى موسكو» و«تي في راين»، إلى الإغلاق، واضطر مئات الصحفيين إلى الرحيل عن البلاد. وغدت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة معركة للدول والفاعلين من غير الدول لنشر الروايات المتعارضة عن الحرب وتصوير الصراع الدائر بشروطها الخاصة. ومع استمرار الحرب، أصبحت هذه المنصات الرقمية مملؤة بالمعلومات المضللة.

وتحظر روسيا كل منصات التواصل الاجتماعي عدا يوتيوب وتيك توك وتليغرام. فقد تم حظر كل من فيسبوك وتويتر، لكن الدعاية والمعلومات المضللة الروسية الموجهة إلى المشاهدين في الخارج لا تزال تزدهر على هاتين المنصتين. ولا يزال يوتيوب وتيك توك متاحان للمواطنين العاديين، ولكن مع وجود رقابة شديدة. بيد أنّ أكثر منصات التواصل الاجتماعي شيوعاً واستخداماً داخل روسيا هيVKontakte (VK)، التي تستضيف 90% من مستخدمي الإنترنت في روسيا، ولكنها محظورة في أوكرانيا. وهكذا، تصبح تليغرام منصة التواصل الاجتماعي الرئيسة التي يمكن الوصول إليها حالياً لكل من الروس والأوكرانيين، ويتم توظيفها في كافة أبعاد الحرب. وتعمل تليغرام كمصدر غير منقح في الغالب للمعلومات المضللة داخل روسيا وأوكرانيا، وتصل إلى الجماهير التي انقطعت عنها منصات وسائل التواصل الاجتماعي الغربية. والواقع أن منصة تيليجرام تلعب دوراً أكثر أهمية في روسيا مقارنة بالدول الغربية أو أوكرانيا، لأنها المنصة الوحيدة التي يمكن للروس استخدامها بحرية. بل إن لقناة «روسيا اليوم» RT تطبيقاً على هذه المنصة. وفي حين كونت كييف جيشاً من الإنترنت، نسج الكرملين علاقات وثيقة مع المدونين العسكريين المؤيدين للحرب، والذين ظهروا كبديل قوي للمواقع الإخبارية الروسية التقليدية، ويحوزون على دعم الرئيس «فلاديمير بوتين». ولكن، في الآونة الأخيرة، أثار عدد من هؤلاء المدونين مخاوف بشأن أداء القوات الروسية في أوكرانيا، وانتقدوا القيادات العسكرية المسؤولة عن ذلك. وبالنسبة لوسائل الإعلام الأميركية، فتنخرط في حرب المعلومات تلك بهدف مكافحة حملات الدعاية وحرب المعلومات الروسية.

ويبدو أن الجهود الأميركية فعّالة في الغرب وسائر العالم، عدا روسيا. كما يبدو أنّ أوكرانيا وحلفاءها الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، لهم اليد الطولى في هذه الحرب، وأن روسيا لا تستطيع مجاراتهم.

*خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية