أصبحت الاستدامة مؤشراً قوياً على الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والطاقة المتجددة في مسيرة التنمية الاقتصادية. وقد أدركت القيادة الرشيدة في الدولة هذا الأمر مبكراً، ومنذ التأسيس. وجاء اليوم الذي يعلن فيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله سنة 2023 «عاماً للاستدامة» في دولة الإمارات.. تحت شعار «اليوم للغد». 
لقد أدركت الدولة بأن التزام نهج التنمية المستدامة اليوم، يعني بناء غد أفضل ومستقبل أدوم، لأن هذا الطريق مؤدٍ لاقتصاد أخضر. ومع تزايد الضغوط على البيئة نتيجة الالتزامات والنشاطات المختلفة التي تخدم الاقتصاد وخاصة في الدول الصناعية الكبرى، بدأ يظهر مفهوم الاقتصاد الأخضر، الذي يعني تحقيق النمو والتنمية المستدامة دون الإخلال بالنظام البيئي. 
إن معظم ما يستهلكه العالم اليوم من طاقة يفوق 80% مستمد من مصادر أحفورية، أي الفحم والبترول والغاز، أو من اليورانيوم، وهذا المخزون سائر إلى نفاد.
أما أنواع الطاقة المستمدة من الشمس والرياح ومساقط المياه ونمو النباتات وحركات المد والجزر، وجميع هذه الأنواع تعود إلى الشمس والأرض التي تبث الحرارة فهي المستدامة. تسارعت وتيرة التنمية التي شهدها العالم في العقود الأخيرة من القرن العشرين. وعلى الرغم مما وفرته هذه التنمية من مزايا اقتصادية ومستويات عالية من الرفاهية، إلاّ أنها أفرزت العديد من التأثيرات السلبية التي انعكست في بروز وتفاقم العديد من المشكلات البيئية كتغير المناخ، والتلوث، وخسارة التنوع البيولوجي، واستنزاف الموارد.
وجاء اعتماد مفهوم الاقتصاد الأخضر ليشكل أداة مهمة لضبط النمو الاقتصادي وتوجيهه نحو الاستدامة، وذلك من خلال إيلاء البعد البيئي قدراً أكبر من الاهتمام في سياسات التنمية الاقتصادية. وقد تبنت دولة الإمارات العربية المتحدة هذا النهج عام 2012 من خلال استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء، التي تستهدف تحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون يعتمد بصورة أساسية على التقنيات الحديثة والمعرفة والابتكار.
وتعمل وزارة التغير المناخي والبيئة، بالتعاون مع شركائها في القطاعين الحكومي والخاص، من خلال مجلس الإمارات للتغير المناخي والبيئة وغيره من الأطر المؤسسية، على تنفيذ البرامج الوطنية المحددة في الأجندة الوطنية الخضراء 2015-2030 التي اعتمدها مجلس الوزراء في عام 2015 كخارطة طريق لتحقيق أهداف استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء، وتحديد ومراقبة سير المشاريع التي يجري تنفيذها بموجب تلك البرامج.
الإمارات منذ أربعينيات القرن الماضي، وحتى دخولها المئوية الأولى في العام 2021، قفزت من فترة كان فيها المؤسس الأول للدولة الاتحادية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأثناء حكمه لمدينة العين، يحفر بيديه المنبع الأول للاخضرار في شريعة الهيلي وغيرها من منابع المياه الشحيحة آنذاك، متحدياً كافة الظروف البيئية الصعبة التي كانت معروضة على الخبراء الدوليين الذين كانوا يمرون عليه مثبطين من عزم زايد على المضي في طريق المستقبل الأخضر انطلاقاً من مدينة العين، ولكن همته فاقت القدرات الآنية وكانت ثقته بالمستقبل أكبر من رأي الخبراء الدوليين. 
عندما رحلنا إلى جامعة العين في العام الدراسي 1976-1977، للدراسة فيها، كنا في عز الصيف نستظل بغرس زايد لمراجعة الدروس تحت الأشجار اليانعة والمخضرة بالماء الذي نبع من تحت يديه، وساعتها شعرنا بمعنى «الظل الظليل» والظل البارد في لهيب الصيف الحارق، فقد تغلب زايد على تحديات البيئة الصعبة وملأ مدينة العين بمساحات شاسعة من الاخضرار.

*كاتب إماراتي