تقترب الحرب الروسية الأوكرانية من نهاية عامها الأول، ولعلها مرشحة لدخول العام الثاني بحدة قد تكون أكثرَ شراسةً من السابق، لاسيما مع توارد الأخبار حول تعبئة روسية جديدة غير مسبوقة، علاوة على التغييرات التي أجرتها روسيا على هيكلة قواتها العسكرية في أوكرانيا وتعيين قادة جدد.. ما يعني الإعدادَ لمرحلة جديدة من الحرب، خاصةً مع زيارة رئيس الأركان الروسي إلى جمهورية بلاروسيا بالتزامن مع التحضير لمناورات عسكرية واسعة وقوية بين الجانبين الروسي والبلاروسي.
وعلى ما يبدو فإن روسيا أخذت العبرةَ من تجربة هجومها الشامل في شتاء العام الماضي، والذي وُوجه بمقاومة عنيفة من قبل الجيش الأوكراني، بسبب الدعم العسكري والاستخباراتي الغربي (الأميركي بصفة خاصة)، لدرجة باتت فيها هذه الحرب أشبه بمنازلة حقيقية، ليس بين روسيا وأوكرانيا، وإنما أساساً بين روسيا و «حلف شمال الأطلسي» (الناتو)، إذ تصاعد الدعم الأطلسي لكييف بشكل كبير ومعلن، ووصل إلى حافة الخطوط الحمراء التي كانت تؤكد عليها روسيا بشأن دعم الغرب لأوكرانيا بأسلحة هجومية يمكن أن تطال بمدياتها عمقَ الأراضي الروسية. ولا شك في أن هذا الدعم بحجمه الحالي فاجأ الجميعَ، وجعل أوكرانيا التي كانت جزءاً من الأراضي الروسية، تبدو خصماً قوياً لموسكو وتوجهاتها السياسية والاستراتيجية.
ومما يزيد خطورةَ الوضع إقدامُ «الناتو» على نشر طائرات «أواكس» مؤخراً في مناطق من أوروبا الشرقية، لمراقبة الحرب وتحركات الجيش الروسي فيها، ما يزيد إمكانيةَ اندلاع مواجهة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وهو أمر في غاية الخطورة.
وتشير المناورات الروسية البلاروسية، حسب كثير من المراقبين، إلى نية موسكو شن هجوم وشيك وواسع النطاق ضد أوكرانيا، انطلاقاً من أراضي بيلاروسيا، وقد تحمل الشهور القادمة مفاجآت كثيرة معقدة، بما في ذلك محاولة القوات الروسية التقدمَ نحو كييف، والسبب هو خشية موسكو من أن تتطور هذه الحرب إلى حرب استنزاف طويلة الأمد لإنهاك روسيا وإغراقها في مستنقع الأزمة الأوكرانية، كما جرى عندما قام الغربُ بتوريط الاتحاد السوفييتي السابق في الحرب الأفغانية، والتي كانت أحد أسباب تفككه وانهياره، وهو ما يبدو أن القيادة الروسية تحاول تفاديه قدر الإمكان، رغم الخسائر التي مني بها الجيش الروسي حتى الآن.
وأخيراً يمكن القول إن الأيام والشهور القادمة قد تكون صعبة بالنسبة للجميع ما لم تسارع الدولُ الغربيةُ إلى تفهُّم هواجس روسيا ومخاوفها الأمنية. كما أن هذا الصراع بتداعياته الاقتصادية قد يولِّد أزماتٍ وكوارثَ إنسانيةً ربما يكون أقلُّها أزمة الغذاء العالمي وأزمة الطاقة التي بدأت تتصاعد سواء في أوروبا أم في بقية مناطق العالَم الأخرى!
إن كلا من روسيا وأوكرانيا تشكلان سلتي الغذاء الأهم بالنسبة للعالم (خاصة القمح والذُّرة وزيت الطعام)، كما تعد روسيا أكبر مصدّر للغاز في العالم.. ولذلك تتسبب الحرب بينهما في أزمتي غذاء وطاقة، لاسيما خلال فصل الشتاء القارص الذي يجتاح بردُه أوروبا وبعض مناطق العالَم، مما أدى إلى موجة غلاء في العديد من الدول، ومنها الدول الأوروبية التي اعتادت مجتمعاتُها على الرخاء والرفاهية، بفضل الاستقرار وانتفاء الصراعات.. لكن ها قد أصبحت الحربُ على أبوابها، وما يترتب على ذلك من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية طاحنة!
 
*كاتب سعودي