«يجب ألا يكون حلف شمال الأطلسي طرفاً في الحرب الأوكرانية»، كان ذلك ما صرح به وزير الدفاع الألماني الجديد بوريس بيسوريوس بشكل مفاجئ يوم 24 يناير الجاري، وجاء على خليفة اجتماع موسع لوزراء دفاع «الناتو» والدول الداعمة لأوكرانيا في قاعدة رامشتاين غرب ألمانيا في 20 يناير الجاري.

برلين كانت مطالبة من الجميع قُبيل ذلك الاجتماع بتقديم دبابات قتال رئيسية من فئة ليوبارد 2، في حين كانت برلين تشترط ذات التعهد من جميع الدول الأعضاء وعلى رأسهم واشنطن قبل غيرها.

ويسجل للوزير بيسوريوس نجاحه الأول في إعادة وضع الأزمة الأوكرانية على مسارها الأوروبي، أي من خارج منظور توازنات القوى إبان الحرب الباردة. الاستراتيجية الجديدة في إدارة الأزمة ترتكز على مفصلين عسكري وسياسي ومن منظور أوروبي مشترك، وكلاهما يهدف أولاً لإقناع روسيا بأن الأزمة لا يمكن حسمها عسكرياً، وأن أوروبا اليوم تقف موحدة وقادرة على مواجهة روسيا إنْ أرادت موسكو التعامل مع أوروبا من منظور توازنات الحرب الباردة.

لذلك جاء تصريح وزير الدفاع الألماني بأن لا مكان لحلف «الناتو» سياسياً في الأزمة الأوكرانية، إلا أن الولايات المتحدة شريك استراتيجي وأمني يمكن التعويل عليه في الأزمات.

تمدد «الناتو» شرقاً كان ولا يزال أحد أهم محركات الأزمة الأوكرانية، وإنّ استمرار بقاء «الناتو» في موقع قيادة الأزمة قد يبرر الموقف الروسي من وجهة نظر موسكو كون غزوها أوكرانيا «حرب ضرورة دفاعية»، في حين ترى واشنطن ضرورة الاحتفاظ بموقعها القيادي سياسياً وعسكرياً انطلاقاً من الندية النووية لروسيا، وكذلك التمتع بامتيازات الضامن الأمني لأوروبا وعلى حساب أوروبا. إلا أن الموقف الألماني حقق نوعاً من الاختراق على المستويين السياسي والعسكري، حيث وافقت جميع الدول المنضوية ضمن تحالف الدول الداعمة لأوكرانيا بالتزامن مع إعلان تقديم دبابات القتال الرئيسية، بل والموافقة على برامج أخرى من ضمنها منظومات دفاع جوي متقدمة (أميركية وأوروبية) وربما مقاتلات من فئة F-16.

ولتأكيد الموقف الأوروبي، فإن حزمة الدعم العسكري الجديدة لأوكرانيا ستشمل دبابات قتال رئيسية من فئة ليوبارد 2، في حين ستقدم واشنطن دبابات قتال رئيسية من فئة إبرامز M1، وتعهد مماثل من فرنسا بتقديم دبابات لوكلير، ودبابات تشالنجر من بريطانيا. كذلك شمل القرار الترخيص لدول ضمن التحالف بنقل جزء من دبابات القتال الرئيسية لديها إلى أوكرانيا (أي لصالح طرف ثالث).

التحول في الموقف الأوروبي والمدفوع بالتحول في الموقف الألماني تحديداً ربما قد أتى ليعكس حالة غير مسبوقة في أوروبا من التصالح مع تاريخها السياسي (الحرب العالمية الثانية/ أزمة البلقان)، وهي تدرك أن إطالة أمد الأزمة على أراضيها قد يشجع على تجدد أزمات خامدة وعلى رأسها تطور حالة التوتر في البلقان، أي عمق أوروبا الحديثة.

* كاتب بحريني