عدنا للحديث عن المستقبل، وجرت عدة نقاشات حول موضوع مقال الأسبوع الماضي، وكيف تحقق لدولة الإمارات معرفة ماذا تريده في المستقبل وكيف تعمل بكل ما لديها من قدرات وكفاءات وخطط واستراتيجيات لتوجيه الحاضر نحو المستقبل المنشود، فسئلت إنْ كان ذلك يجري في المسائل الوطنية المحلية أم يجري أيضاً في الموضوعات الإقليمية والدولية، وإذا كان ذلك، فماذا يخبئ المستقبل للحرب الروسية - الأوكرانية وتأثير ذلك على إقليم الشرق الأوسط وعلى دولة الإمارات العربية على وجه التحديد؟
يتفق المختصون على أن علم المستقبل هو محاولات بحثية دقيقة يقوم بها الخبراء لتكوين صور مستقبلية عديدة ومتنوعة محتملة الحدوث بناء على البيانات والإحصائيات والإشارات السابقة والحالية، كما تتم دراسة كافة المتغيرات التي يمكنها أن تمنع أو تدفع إلى احتمال تحقيق هذه الصور المستقبلية فيصبح هذا العلم هو تقريب أو تحديد صورة محتملة تقريرية للمستقبل، ثم أخذ أشد الاحتمالات وقوعاً واعتباره أقرب ما سيكون عليه المستقبل، لذلك يمكننا أن نفهم لماذا قال الرئيس الأميركي جو بايدن بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا إنها ستستمر على الأقل لمدة خمس سنوات! ونفهم أيضاً كافة تحذيرات الجانب الروسي سابقاً، وفي مطلع هذا الأسبوع حول إرسال دبابات وصواريخ «الناتو» إلى أوكرانيا بأنها قد تشعل حرباً عالمية ثالثة ستحول كل شيء إلى غبار !
لاحظوا أنه يمكننا أن نقرأ المستقبل في المسائل العلمية أو الاقتصادية أو حتى الصحية والاجتماعية والثقافية وغيرها، بينما تكمن صعوبة قراءة المستقبل في الشؤون السياسية، حيث يقول السياسيون أحياناً أشياء يقصدون عكسها، فمثلاً هناك من يرى أن التصعيد الحالي في أوكرانيا هو تحركات عسكرية غربية تحاول تضييق نطاق الحرب وحصرها والتأكد من عدم امتدادها وكذلك دفع روسيا للتراجع فحسب، بينما يقرأ معظم المحللين أن إرسال الدبابات الغربية إلى كييف ومن ثم الصواريخ سوف يوسع نطاق الحرب ويجعلها أقرب إلى اشتعال الحرب العالمية الثالثة فعلاً، ولذلك فإن المستقبل القريب، وليس البعيد، الذي سيعتمد تلك البيانات والتصريحات لا يمكنه أن يقترب من صورة المستقبل الأكثر احتمالاً للوقوع، وعلى العكس، قد يكون هناك ثمة سلام قريب، يراه أشخاص آخرون يعملون في القنوات الخلفية المفتوحة بين جميع الأطراف.
هذا ليس تفاؤلاً، أن يكشف شهر فبراير عن نهاية الحرب في أوكرانيا، لكنه احتمال قائم على بيانات وتصريحات أخرى أكثر وضوحاً وتماسكاً، قد تكون غير مهمة عند البعض، ولكن البعض الآخر يلتقطها بحدس عال ويحاول تفكيكها بقدر أعلى من الجودة، مثل تصريحات المستشار الألماني أولاف شولتس لصحيفة «تاجس شبيغل» الألمانية في عددها الصادر، يوم الأحد 29 يناير 2023 حين قال: «سوف أتصل هاتفياً ببوتين من جديد أيضاً، لأنه من الضروري التحدث مع بعضنا بعضاً، ويعود الأمر لبوتين في ما يتعلق بسحب القوات من أوكرانيا وإنهاء هذه الحرب المروعة التي لا معنى لها، والتي كلفت مئات الآلاف حياتهم»، فرد بيان الكرملين قائلاً: «إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يظل منفتحاً لإجراء أي اتصالات»، من يمكنه أن يؤكد أن تلك المكالمة لم تحدث فعلاً على أرض الواقع؟ وإذا لم تحدث فما حجم العمل الذي نتوقعه في القنوات الخلفية المفتوحة الذي يتطلبه التحضير لتلك المكالمة المصيرية التي قد تحدد مستقبل العالم؟!
كما قلنا، لا يمكننا الارتكاز على تصريحات وبيانات السياسيين عموماً للجزم بأن هذه الصورة أو تلك هي المستقبل الذي نبحث فيه، بل يمكننا القول إن كل الاحتمالات واردة وممكنة: أن تستمر الحرب سنوات أخرى أو تنتهي خلال عام أو تتوسع لتصبح حرباً عالمية ثالثة شاملة أو تنتهي باتفاقية سلام بين جميع الأطراف، وفي كل الأحوال فإن منطقة الشرق الأوسط يجب أن تكون مهيأة لكافة الاحتمالات، وأن يكون جميع السياسيين والعسكريين والاقتصاديين فيها مستعدين لكل احتمال على حدة، وأن تكون دول الخليج على وجه التحديد تعلم موقعها بشكل مؤكد في نتيجة كل احتمال وارد، فإذا كانت الحرب نسأل: أين نقف وكيف نحمي شعوبنا وبلداننا؟ وإذا كان السلم فكيف نتموضع الآن وهل نبقى غير منحازين أم نقترب أكثر من طرف على حساب طرف آخر؟ 
الحمد لله، وحسب خبرتي الطويلة، وثقتي وثقة شعب دولة الإمارات العربية المتحدة وجيرانها وأصدقائها وشركائها بقيادة الدولة الحكيمة، فإن الإمارات تعرف هذا المستقبل جيداً، وتدرك بعناية فائقة كافة الاحتمالات، حتى غير المتوقعة منها، وهي تقف بفضل الله تعالى ثم فضل القيادة الرشيدة، في الموقع الصحيح إلى أبعد الحدود، لذا يمكننا أن نطمئن، كما حدث عدة مرات قبل ذلك، منذ العام 1971 مروراً بالحرب العراقية الإيرانية ثم احتلال الكويت وليس انتهاء بالحرب في العراق و«الربيع العربي» المشؤوم وأزمة كورونا وغيرها، أن دولة الإمارات قادرة بإذن الله على التصدي والمواجهة والوقوف مع الحلفاء والشركاء والأصدقاء، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وأنها في الوقت ذاته، تعمل بكل جد ومثابرة الآن على أن تكون طرفاً رئيسياً في تحقيق السلام ومنع وقوع حرب عالمية ثالثة.
* لواء ركن طيار متقاعد