النقل بوساطة الشاحنات لمسافات طويلة كان على الدوام مشكلةً صعبةً تُبعد السائقين عن أُسرهم لأيام، وأحياناً لأسابيع. ولهذا نجد أن هناك نقصاً دائماً في أعدادهم. وفي الأثناء، يتقدم السائقون المتاحون حالياً في العمر، إذ يبلغ متوسط سنّهم حوالي 46 عاماً فأكثر، والقطاعُ يجد صعوبةً في جذب الشباب للجلوس خلف عجلة قيادة شاحنة كبيرة. 
المنتقدون يرون أن المشكلة تكمن في الأجور، ويقولون إنه إذا رُفعت أجورُ سائقي الشاحنات، فإن أشخاصاً أكثرَ سيرغبون في امتهان هذه المهنة، على الرغم مما تنطوي عليه من تضحيات بخصوص الحياة العائلية. غير أن دراسةً أنجزتها «الجمعيات الأميركية للشاحنات»، ونشرت في الآونة الأخيرة، تشير إلى أن المشكلة تتجاوز التعويض المادي، وخاصة بعد أن أطلق وباءُ «كوفيد- 19» تفكيراً وتأملا ذاتياً بشأن أولويات الحياة. فالوصف الوظيفي لهذه المهنة قاسٍ وصعب: اشتغل بشاحنة لأيام، وافتقد ألعاب أطفالك ومسرحياتهم المدرسية. 
الخبر السار بالنسبة للسائقين هو أن الأجورَ آخذة في الارتفاع، فقد أظهرت دراسةُ «الجمعيات الأميركية للشاحنات» أن الأجرَ السنويَّ لسائقي شاحناتِ نقلِ البضائعِ لمسافات طويلة ارتفع إلى حوالي 70 ألف دولار في عام 2021، أي بنسبة 18% مقارنةً مع عام 2019. ولعل المعلومة الأكثر إثارةً للاهتمام في هذه الدراسة هي أن زيادةَ الأجور عن كل ميلٍ مكّنت السائقينَ من العمل لوقت أقل ومن قضاء وقت أكثر في البيت مع تقاضي الأجر نفسه، كما يقول بوب كوستيلو، كبير اقتصاديي المجموعة المهنية. وبالتالي، فإن ارتفاع الأجور لن يترجم بالضرورة إلى عددٍ كافٍ من السائقين لتلبية الطلب.
نقصُ سائقي الشاحنات يبلغُ الآن أكثر من 80 ألفاً، وهو رقم يتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2030، وفقاً لـ«الجمعيات الأميركية للشاحنات». وفي الوقت نفسه، قفزت أسعارُ نقل البضائع بالشاحنات، بما في ذلك تكلفةُ الوقود الإضافية، إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في وقت ارتفع فيه الطلبُ أيضاً. كما أدت زيادةُ الأجور إلى ممارسة ضغط على الأسعار.
بيد أن هناك حلاً بديهياً على المدى الطويل لكلتا المشكلتين، ألا وهو: الشاحنات من دون سائق. لكن فقط إذا انطلق القطاع انطلاقةً صحيحةً وأبدى أكبرَ قدر ممكن من الشفافية في عملياته. ذلك أنه إذا أُدخلت الشاحناتُ المستقلةُ بحذر، فإنها تستطيع تحسين مستوى السلامة على الطرق ومواصلة دعم ملكية الشركات الصغيرة التي تهيمن على قطاع النقل بالشاحنات. 
والواقع أنها باتت على الطرق منذ بعض الوقت، إذ شرعت شركات مثل «أورورا إينوفيشن إينك» و«تو-سيمبل هولدينغس إنك»، و«كودياك روبوتيكس إنك».. وعدد من الشركات الأخرى، في اختبار شاحنات من دون سائق على الطرق السريعة الأميركية تحت إشراف سائق سلامة يجلس خلف عجلة القيادة من أجل التدخل في حالات الطوارئ القصوى. وبعض الشركات، مثل «أورورا»، يخطط لعمليات «من دون سائق» في غضون أقل من عامين. والهدف هو: تعزيز السلامة على الطرق السريعة مع تقليص كلفة نقل البضائع.
نقطة الدخول المنطقية لهذه الشاحنات ذاتية القيادة هي سوق المسافات الطويلة، حيث تجد شركات النقل بالشاحنات أكبر قدر من الصعوبة في إيجاد عمال. 
المكاسب المتوقعة من الشاحنات المستقلة تتجاوز أجر السائق. وعلى سبيل المثال، فإن شركة «تو-سيمبل» أعلنت العام الماضي أن نظامَها وفّر أكثر من 13% في الوقود لوحده خلال فترة اختبار دامت 30 شهراً مع «يونايتد بارسل سيرفس إينك»، لأن الشاحنات المستقلة تسير بسرعة ثابتة بين 55 و68 ميلاً في الساعة. والأهم من ذلك أن مكاسب الإنتاجية تنمو بشكل متسارع لأن الشاحنات تستطيع الاشتغال على مدار الساعة تقريباً ولا تقتصر على الساعات التي يستطيع السائق مواصلةَ العمل خلالها كل يوم. ثم إنه إذا انخفضت الحوادث إلى المئات بدلاً من عشرات الآلاف التي تُسجَّل على الطرق السريعة الأميركية كل عام، فإن التوفير بخصوص التأمين سيكون ضخماً. 
شروط السلامة ستكون عالية جداً، والطريقة الوحيدة التي ستكتسب بها شركات الشاحنات المستقلة ثقةَ الجمهور ودعمَه هي عبر التحلي بقدر كبير جداً من الشفافية في عملياتها. ذلك أن الناس يحتاجون لمعرفة كيفية اشتغال هذه التكنولوجيا وأدائها قبل إطلاق شاحنات-روبوتات يبلغ وزنها 80 ألف كلغ على الطرق السريعة. 
وفي هذا الإطار، يجب الإبلاغ عن أي حوادث مرورية أو حوادث مرورية وشيكة، والإعلان عنها على الفور. كما ينبغي أن تتجاوز البيانات التي توفِّرها شركاتُ الشاحنات المستقلة مجرد إبلاغ السلطات. ويجب أن تشمل الإحصائيات عددَ المرات التي يهبّ فيها سائقو السلامة للإمساك بعجلة القيادة وتسلّم زمام الأمور من الحاسوب، الذي يتلقى معلومات من مجموعة من وسائل الاستشعار مثل الكاميرات والرادارات، ولماذا؟
لا شك في أن الأمرَ سيتطلب بعض الوقت، وربما سنوات، قبل أن تعوّض الشاحناتُ المستقلةُ النقصَ المسجلَ في سائقي نقل البضائع بالشاحنات لمسافات طويلة. ولتعبيد الطريق، فإن الشفافية بخصوص كيفية أداء تكنولوجيات هذه الشركات ستَخلُقُ ثقةً عامةً بأن هذه الشاحنات ستكون بالفعل أكثر أماناً بكثير، بدلاً من أن تكون تهديداً، وتستطيع أداء مهمة نقل البضائع عبر البلاد. 

توماس بلاك

صحفي في «بلومبيرج نيوز» يغطي الخدمات اللوجستية والتصنيع والطيران
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينذيكيشن»