في عام 1990 تأسست منظمة من (50) دولة باسم «تحالف الدول الجُزُرية»، وذلك لمواجهة احتمالات الغرق الجزئي، أو الاختفاء التام لبعض هذه الدول، من جرّاء استمرار التدهور المناخي.
ثمّة دول معروفة داخل التحالف مثل كوبا وسنغافورة، وجامايكا، والدومنيكان، وهناك العديد من الدول الصغيرة غير المشهورة. الصوت الأعلى في هذه المنظمة هو صوت المالديف، فالدولة الجذّابة التي تضم أكثر من (1200) جزيرة، ويقصدها ملايين السياح سنوياً، قد تواجه الغرق.
لقد شاهد العالم رئيس المالديف وهو يغوص تحت الماء ليوجّه رسالةً للعالم، ثم وهو يتحدث عن شراء أرض بديلة في الهند لمواجهة غرق الدولة واختفائها من خريطة العالم، فيما لو استمرت درجة الحرارة في التزايد المطرد.
إن تغير المناخ لن يغير الوضع في المالديف وشقيقاتها فحسب، بل إنه سيؤدي إلى تغييرات كبرى على نطاقٍ واسع من العالم.
في كتابه الذي صدر عام 2021 بعنوان «الحركة.. كيف ستغيّر الهجرة الجماعية شكل العالم» حذّر الكاتب الهندي «ياراخ خنّا» من تغيرات تلقى بآثارها على (4) مليار شاب في العالم.
يميّز الكاتب الذي حصل على شهادة الدكتوراه من مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، وله مؤلفات مهمة عن مستقبل الحضارة.. بين «المستفيدين» من التغير المناخي وبين «الخاسرين».. ففي سيبيريا ومنغوليا وكندا وجرينلاند.. ومناطق أخرى في شمال العالم ستتحول الأرض البيضاء المغطّاة بالثلوج إلى أرض خضراء تمتلئ بالزرع. ولكن ذلك سيكون معالم مأساة في مناطق أكبر حول العالم.
إذا ما ارتفعت درجة الحرارة (1) درجة فقط، سيؤدي ذلك إلى هجرة (200) مليون شخص من ديارهم، وإذا ما زادت بمقدار (2) درجة مئوية سيهاجر (1) مليار، ولن يكون لديهم أي خيارٍ للبقاء، فالنزوح سيكون إجبارياً من أجل الحفاظ على الحياة.
في الدول الكبرى ستكون الأزمة حاصلة، وعلى نطاق واسع أيضاً، ففي الهند والصين سينزح ملايين السكان من السواحل الجنوبية إلى المناطق الشمالية، وفي الولايات المتحدة الأميركية، سينزح السكان من السواحل، ومن مناطق الغرب الأوسط المتصحِّر إلى الشمال باتجاه القطب الشمالي.
ستعود الإنسانية (60) ألف عام إلى الوراء، حيث سيكون الهدف محصوراً في بند واحد هو البحث عن الموارد.. الماء والغذاء. سوف تتراجع الأهداف الثقافية والحضارية، وستذبُل الغايات الإنسانية نحو التحضُّر والتقدُّم، وتعزيز الاستقلالية الشخصية، والحريات السياسية.. باتجاه غاية واحدة هي البحث عن الطعام.
في طرحٍ صادمٍ يقول «ياراخ خنّا»: لن يكون شعار (4) مليارات شاب في العالم هو«الحرية»، بل «الوظيفة»، فالبحث عن عمل، والبحث عن أمل.. سيكون هو هدف هذه المليارات القلقِة والخائفة.
وبينما سيظّل العالم يفكر في إبطاء وتيرة التدهور المناخي، ويبحث عن أدوات أممية فعالة، وبينما يحاول العلماء بدورهم التفكير في حلول غير مطروقة، من زراعة الغيوم، أو نثر مواد كيميائية في طبقات الجو العليا لحجب أشعة الشمس.. فإن المليارات الأربعة من شباب العالم ستبقى في هدفها الاستراتيجي الأول في القرن الحادي والعشرين: العمل ثم العمل، وستكون حركة البشر حول العالم في اتجاه واحد: الغذاء ثم الغذاء.
* كاتب مصري