خلال معظم العام الماضي، ظل سؤال حارق وملح يقضّ مضجع صناع السياسات والمحللين: إلى أي مدى سيكون شتاء أوروبا سيئاً؟ ذلك أن أسعار الطاقة في القارة ارتفعت بسبب الحرب في أوكرانيا والعقوبات على قطاع الطاقة الروسي. واحتمال موجة برد قارس في وقت عمدت فيه الحكومات الأوروبية إلى ترشيد توزيع إمدادات الطاقة، أثار في أذهان الناس صورَ شتاءٍ قاتم من لفيف إلى لندن، شتاء تتعطل فيه المصانع ويبحث فيه المتقاعدون عن حطب التدفئة.

وبدلاً من ذلك، شهدت أجزاء من القارة مؤخراً درجات دفء قياسية، مما قلّل الطلب على الطاقة وسمح لشركات التوزيع الوطنية بملء منشآت تخزين الغاز الطبيعي الخاصة بها إلى الحد الأقصى.

وهكذا، لم يحدث الأسوأ: ذلك أن نفوذ روسيا على أوروبا لم يزدد بشكل ملحوظ، مثلما أن شعور الجمهور بالإرهاق بسبب التزام أوروبا تجاه الجهد الحربي لأوكرانيا لم ينل من تصميم حكوماتها الوطنية. لكن لنتأمل جزءاً آخر من العالَم تراجع اهتمام المجتمع الدولي حياله خلال النزاع الأوكراني. فأفغانستان توجد حالياً في قبضة أسوء شتاء منذ عقد من الزمن، إذ انخفضت درجات الحرارة إلى 34 درجة مئوية تحت الصفر.

وقال مسؤولون في حكومة «طالبان» المحلية إن البرد قاتل، إذ أدى إلى أكثر من 160 حالة وفاة خلال أسبوعين فقط، كما تسبب في نفوق أكثر من 70 ألفاً من رؤوس الماشية. زميلي في صحيفة «واشنطن بوست»، سامي ويستفل، لفت إلى التفاصيل في نهاية الأسبوع الماضي وقال: «من أصل 162 شخصاً الذين ماتوا بسبب الطقس البارد منذ 10 يناير، فإن أكثر من نصفهم قضوا خلال الأسبوع الماضي». ويموت الأفغان من انخفاض الحرارة، وكذلك من التسمم بأول أوكسيد الكربون وتسرب الغاز، وسط نقص واسع في أنظمة التدفئة، مثلما أفادت قناة «تولو نيوز» المحلية. ومن المتوقع أن ترتفع حصيلة الموتى في وقت يخرج فيه سكان المناطق الريفية من الثلوج.

الظروف المزرية عصفت بمجتمع غير مهيّأ للتعاطي معها، لأن أفغانستان تعاني أصلاً من أزمة إنسانية مستمرة أطلقتها سنوات من الجفاف ثم الانهيار الاقتصادي الذي أعقب استيلاء «طالبان» على السلطة في عام 2021. ذلك أن احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي مجمَّدة بسبب العقوبات الأميركية، وبسبب انهيار النظام البنكي الأفغاني جزئياً جراء توقف المساعدات الأجنبية، لذا فقد ارتفعت أسعار السلع العادية (بما في ذلك حطب التدفئة والفحم) ارتفاعاً صاروخياً.

وإلى ذلك، فإن ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 40 مليون نسمة، بينهم نحو 15 مليون طفل، سيحتاجون على الأرجح إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية في عام 2023. وقد يواجه نصف البلاد تقريباً أزمةً غذائيةً حادةً. وتستوردُ أفغانستان الجزء الأكبر من كهربائها من الجيران، وهي معتادة على نقص التيار الكهربائي وانقطاعاته المتكررة. لكن الانقطاعات الكهربائية هذا الشتاء أظهرت أنها أكثر بؤساً، إذ فرضت على الأسر في بعض الحالات الاختيار بين إطعام نفسها أو محاولة الاستدفاء. والكثيرون يكافحون بمشقة من أجل تأمين أحد الأمرين.

وفي هذا السياق، قالت امرأة تدعى مريم في محافظة سامنجان، شمال سلسلة جبال هندو كوش لإحدى القنوات التلفزيونية: «إذا اشترينا فحماً وخشباً، فإننا لن نستطيع شراء الطعام»، مضيفةً: «إن هذا أبرد شتاء في حياتي، ولا أعرف كيف سننجو ونبقى على قيد الحياة من دون طعام أو تدفئة». ومن جانبه، قال شرف الدين، وهو من سكان مدينة حيرات، لإذاعة «راديو أزادي»: «خلال الليالي الباردة، نظل مستيقظين مع أطفالنا ولا نستطيع النوم. إنه منتصف النهار الآن، ولم أتناول فطوراً ولم أشرب شاياً.. إنني جالس هنا أدعو الله». مستشفيات البلاد موصولة بجهاز «دعم الحياة»، وفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر.

وقد وصفت موظفة صحية في كابول لوكالة الأنباء «ذا نيو هيومانيتاريان» ما حدث حينما اضطرت عيادتُها لإطفاء مولّدها الكهربائي بعد استخدام متواصل: «لقد اضطررنا لإطفائه لساعتين، وطلبنا من الأمهات أن يجدن طريقةً ما لتدفئة مواليدهن الجدد. ذلك أننا إذا أبقيناهم داخل الحاضنات من دون كهرباء، فإنهم سيتجمدون. وإذا أخرجناهم منها، يمكن أن يصابوا بمشاكل في التنفس».

وقد زادت من صعوبة الوضع قرارات السلطة القائمة التي راحت تلغي تركة عقدين من جهود الحكومة المدعومة أميركياً، حيث منعت الفتيات من ارتياد المدارس الثانوية والجامعات، ومؤخراً منعت النساءَ من العمل في منظمات غير حكومية محلية أو مدعومة من الخارج، وهي منظمات يُعَد الكثير منها أساسياً لتوزيع المساعدات الهزيلة المتاحة للأفغان حالياً.

*صحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سينديكيت»