«لا حاجة لأن أقول لكم، أيها السادة، إن الوضع العالي خطر جداً، إنه أمر جلي بالنسبة لكل الأذكياء، وأعتقد أن من أهم الصعوبات، كون المشكلة بالغة التعقيد، حتى إن كمية الوقائع التي تعرضها الصحافة والإذاعة على الجمهور، تجعل التقييم للوضع متعذراً على المواطن» وأضاف: «إن سكان هذا البلد يعيشون بعيداً جداً عن المناطق المضطربة عالمياً، ويتعذر عليهم تصور البؤس، وردات فعل الشعوب الذين عانوا طويلاً، كذلك تأثير ردات الفعل هذه على حكومتها ونحن نحاول إقرار السلام في العالم». كان هذا جزءاً من خطاب الرجل الذي تم إعدامه في 9 أكتوبر لعام 1967 المناضل الأرجنتيني تشي غفارا. بعض الشباب حتى هذه اللحظة يعلقون صوره إما على جدران غرفهم أو حتى يطبعونها على  أكواب القهوة، يمكن أن ترى تشي جيفارا كل يوم، هذا المناضل لم ينته كما انتهى البقية، بقيت حياته مشهودة بال، حتى  وأنت تطالع ولو مصادفة صور جيفارا رغماً عنك سيخيل إليك أنها أقرب لأن تكون حلماً.
الكثيرون يستخدمون صور جيفارا لكنهم لا يعلمون ماذا قدم من أجل الحرية حتى يعدم في أول يوم وصوله إلى بوليفيا. لم يكن أن تنظر إليه كالأشياء العادية، وإنما تشعر رغماً عنك مبهوراً بطاقيته الشهيرة ولحيته الكثة وتلك النظرات الآخاذة.
فقط للتذكير جيفارا عندما كان طالباً في كلية الطب في جامعة بوينس أيرس وتخرج فيها عام 1953م، قرر أن يجوب جميع أنحاء أميركا اللاتينية مع صديقة البرتو غرانادو على متن دراجة نارية، وكونت هذه الرحلة شخصيته وإحساسه بوحدة أميركا الجنوبية والظلم الكبير الواقع عليها  من الإمبرياليين على المزارع اللاتيني البسيط، وتغير بعد رؤيته للفقر المتوطن هناك.
أما أكثر الأمور غرابة، حينما غادر جيفارا إلى كوبا 1965 من أجل التحريض على الثورات الأولى الفاشلة، حتى تم القبض عليه من قبل وكالة الاستخبارات المركزية بمساعدة القوات البوليفية، وهكذا ودعنا جيفارا في 9 أكتوبر 1967.

في عملية وافق عليها الرئيس الأرجنتيني السابق، رينيه بارينتوس، تم تنفيذ حكم الإعدام في جيفارا على يد تيران سالازار الذي توفي في مارس 2022. وروى أن جيفارا قال له قبيل إطلاق الرصاص: «ابق هادئاً» و«صوّب جيداً».. «ستقتل رجلاً». جيفارا قاد مجموعة من المقاتلين الذين صمدوا أمام المعارك والجوع والمرض في الجبال البوليفية.. وبعد إصابته في القتال، نُقل إلى مدرسة مهجورة في قرية لا هيغيرا في بوليفيا قبل يوم من إعدامه. 
وقد قيل إن الضابط البوليفي مارديو تيران سالازار، الذي قام بإعدام جيفارا، لم يهنأ له بال حتى فارق الحياة وهو في الثمانين من عمره، هكذا يقال إن مارديو كان يخبر الجميع أنه يعيش في الجميع، وأن هناك شبحاً كجيفارا يطارده على الدوام. وأضاف سالازار: «كانت تلك الليلة أسوأ لحظة في حياتي، حينها بدا تشي كبيراً وعملاقاً، عيناه تلمعان بشدة، وأضاف:«لقد قال لي ابق هادئاً وصوب جيداً، فأنت ستقتل رجلاً. عندها تراجعت إلى الخلف نحو الباب، واغمضت عيني وأطلقت النار». 

*روائية وكاتبة سعودية