تفرض المحنةُ الكارثية السُّؤال: هل قادة الدول يحسبون حساب الكوارث الكبرى، وينظرون في تفاقم النزاعات، والتّربص لتغيير الأنظمة، بدوافع عقائديَّة، وتصدير الأزمات، والحاجة إلى التَّضامن؟! بدا ذلك جلياً في الوباء العالميّ(2020)، ظهرت دول عديدة منزوعة القُدرات، بينما قدراتها هائلة في زلزال عدم الاستقرار لغيرها. 
تحتاج الفاجعة العظمى(6 فبراير2023)، بتركيا وسوريا، إلى التَّفكير بمصائر النَّاس، قبل الجموح بتصدير العقائد واستدامة الخلاف، وتسليم الشُّعوب للهاوية، فلا بلداً معتوقاً مِن الكوارث العِظام ولايحتاج التَّعاضد، وهذا قد يعيقه التَّغالب ومحاولات بسط النفوذ بالدسائس. لقد سُمعت المناجاة، واستعر الجدل، عندما زلزلت الأرضُ زلزالها فجراً، ولا مقياساً لهلع مَن استيقظ ووجد نفسه بين الأحجار. 
مَن جعل الزَّلازل غضباً إلهياً، فقيل سببها عدم مناصرة «طالبان في تحطيمهم لأصنام بُوذا»(الحِمَيد، التَّفكر والاعتبار). آخر فسرها غضباً لعدم الرَّد على حرق القرآن بالسُّويد(بيان الصَّدر)، ومَن اعتبر معاصي حفلات الموسيقى والغناء سبباً(تغريدة مطلق الجاسر). نلاحظ أنَّ الصَّحويين يستغلون الآلام لإظهار نوازعهم، تاركين ما خلق الله في العقل. 
نجد في تاريخ الفكر، الدينيّ والعقليّ- نتحدث عن تاريخ الإسلام- ودخلت الزَّلازل في الجدل لأثرها المدمر. كانت عصارة الفكرة الدّينيَّة: «وَلما كَانَت الرِّيَاح تجول فِيهَا وَتدْخل فِي تجاويفها، وتحدث فِيهَا الأبخرة، وتخفق الرِّيَاح ويتعذر عَلَيْهَا المنفذ، أذن الله سُبْحَانَهُ لَهَا فِي الأحيان بالتنفس فَتحدث فِيهَا الزَّلازل الْعِظَام فَيحدث من ذَلِك لِعِبَادِهِ الْخَوْف والخشية، والانابة والإقلاع عَن مَعَاصيه»(ابن القيم، مفتاح دار السَّعادة). 
أمَّا الفكرة العقليَّة فمفادها: «أمَّا الكهوف والمغارات والأهويَّة، التي في جوف الأرض والجبال، إذ لم يكن لها منافذ تخرج منها المياه، بقيت تلك المياه محبوسة زماناً، وإذا حمى باطن الأرض وجوف تلك الجبال، سخنت تلك المياه ولُطفت وتحللَّت وصارت بخاراً... انشقت الأرض في موضع منها، وخرجت تلك الرِّياح مفاجأةً، وانخسف مكانها، ويُسمع لها دويُّ وهدةٍ وزلزلةٍ، وإن لم تجد لها مخرجاً، بقيت محتبسةً، وتدوم تلك الزَّلزلة»(إخوان الصَّفا، الرِّسالة الخامسة مِن الجمسيات الطَّبيعيات). إذا اعتبر الفريق الدِّينيّ أن سبب الكوارث المعاصي، «نسبت الفلاسفة والحكماء هذه المصنوعات إلى القوى الطّبيعية»(إخوان الصَّفا، الرِّسالة السَّابعة). 
يبدو الفيلسوف الكندي(تـ: 260هج) صاحب السّبق، بدلالة رسالته المفقودة «في عِلم حدوث الرِّياح في باطن الأرض المحدثة كثير الزَّلازل والخسوف»(النَّديم، الفهرست). توجد رسائل كثيرة في التراث بشأن الزَّلازل، لا يسع المجال ذِكرها، أطرفها عنواناً «قلائد العقائل في ذِكر ما ورد مِن الزَّلازل»، و«كشف الصَّلصلة عن وصف الزَّلزلة». أمَّا «الإنذار بحدوث الزَّلازل» لابن عساكر(تـ: 571هج)، لم نعثر عليه، لا تظنوه دراسة في قشرة الأرض وتوقع الزَّلزلة! 
أفظع الزَّلازل ما حدث(369هج) «حتَّى ظن النَّاس إنها القيامة قد قامت»(الدَّواداريّ، كنز الدُّرر). هذا، ولا ندري لماذا كنى حذاء نفسه بأبي الزَّلازل، وآخر عُرف بابن أبي الزَّلازل، وأن مغنياً بغدادياً عباسياً سُمّى زلزلاً، وقائمة المتسمين بالزَّلازال، والزَّلزلة تطول. 
إنْ نسيت مِن أمرٍ فإني ذاكرٌ جهدَ الأكاديميّ عبد الله يوسف غُنيم في شأن الزَّلازل، وكتابه الجامع المانع، دفعه لتاليفه زلزال اليمن الشَّماليّ(1982) «سِجل الزَّلازل العربيّ.. أحداث الزَّلازل وآثارها في المصادر العربيَّة»(الجمعية الجغرافيَّة الكويتيَّة 2002). 
استوحيت عنوان المقال مِن محمَّد مهدي الجواهريّ(تـ: 1997)، وهو ينحت مِن غضب الطبيعة رائعته، مثلما كان فجر السَّادس من فبراير(شباط) الجاري: «ما لهذي الطبيعةِ البكرِ غَضْبَى/أَلها أنْ تثورَ نَذرٌ يُوفّى/ أَبْرَقَتْ ثم أَرْعدت ثم أَلقت/ حِمْلَها تُوسِعُ البسيطةَ قَصْفا/زَحَمَتْ كلَّ ثَغْرةٍ واستباحتْ/ شُرُفات البُيوت صفّاً فصفّا»(الدِّيوان، يومان في فارنا 1973). نعم استباح زلزال(2023) المنازل صفاً صفاً، والضَّحايا تجاوزوا حتى السّاعة(33) ألف ضحية.
* كاتب عراقي