نظراً لتنامي أهمية دول مجلس التعاون الخليجي في العلاقات الدولية، وبالأخص التجارية منها، فإن العديد من اقتصاديات الدول الكبيرة، كالمملكة المتحدة والصين والهند وروسيا وسنغافورة والبرازيل وإندونيسيا وكوريا الجنوبية.. تسعى جميعاً لاستكمال الترتيبات الخاصة بإقامة مناطق للتجارة الحرة مع دول المجلس. فبعد التصريحات الرسمية الصادرة من بريطانيا عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي، توالت التصريحات من الدول الأخرى، وكان آخرها تصريح الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية عندما قال: «نحن مستعدون للعمل الجاد مع دول مجلس التعاون لضمان تنميتنا المشتركة».

وقد سبقت ذلك تصريحات لمسؤولين من دول أخرى مثل الهند وسنغافورة وكوريا الجنوبية، تجري معها مباحثات بهذا الشأن. ومع أن المباحثات بين منظومة دول التعاون الخليجي والدول والتكتلات الأخرى مضت على بعضها سنواتٌ طويلةٌ نسبياً، فإنها لم تتوصل إلى اتفاقيات للتجارة الحرة رغم أهميتها للجانبين، حيث يرجع بعضها للأطراف التي تحاول إقحام مسائل غير تجارية في هذه الاتفاقيات، كالتي يحاول الاتحاد الأوروبي فرضها مما أدى إلى توقف المفاوضات أكثر من أربعين عاماً.

أما الأسباب الأخرى فترتبط بالجوانب الخاصة بالعمل الخليجي المشترك، والتي ما زالت بانتظار الوصول إلى حلول بشأنها، فالاجتماع الأخير للجنة التعاون المالي ولجنة التعاون التجاري لدول المجلس، والذي عقد في نهاية شهر يناير الماضي، أشار بوضوح عند الحديث عن اتفاقية التجارة الحرة مع الصين إلى «تباين الآراء الفنية بين دول المجلس، وكذلك صلاحيات الفريق التفاوضي وآلية العمل الخليجية»، مما يعني أن هناك تفاوتاً في تقييم هذه الاتفاقيات.

وأدى هذا التفاوت إلى قيام العديد من دول المجلس بإجراء مفاوضات ثنائية لتوقيع اتفاقيات للتجارة الحرة مع بعض الدول، بغية استغلال الفرص المتاحة لتعزيز موقعها التجاري، إذ إن السرعة التي تسير بها حركة التجارة الدولية تتطلب مجاراتها بسرعة مماثلة، خصوصاً أن هناك أرضية تجارية مشتركة لدول المجلس تشكل التعرفة الجمركية الموحدة (5%) أحد أساساتها، مما يسهل عقدَ مثل هذه الاتفاقيات والتي ستؤدي إلى نقلة نوعية للعمل الخليجي المشترك ولموقع دول المجلس في العلاقات التجارية الدولية، علماً بأن المفاوضات الجماعية تمنح دولَ المجلس قوةً تفاوضية أقوى، حيث يمكن تحقيق مكاسب إضافية.

ويبدو من بيان لجنة التعاون المالي والتجاري أن الفريق التفاوضي الخليجي لا يملك الصلاحيات اللازمة لتوقيع مثل هذه الاتفاقيات، وهو ما يمثل خللاً كبيراً، إذ إن الاتفاقيات ذات الطابع المهني تتطلب صلاحيات فنية كبيرة لتفادي احتمالات عرقلتها، حيث أوضحت لنا التجربة أن الفرق الفنية للدول الأجنبية تأتي بصلاحيات كاملة، مما يمنحها مرونةً تفاوضيةً كبيرة دون طلب تأجيلات متكررة.

وكل هذا يستدعي سرعة الاستجابة لإعطاء لجنة التعاون المالي والتجاري الصلاحيات الكاملة لعقد اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول الراغبة، إذ إن تأجيلها المتكرر سيؤدي إلى المزيد من التفاوت في العلاقات التجارية لدول المجلس، مما سيؤدي بدوره إلى تأجيل استكمال قيام الاتحاد الجمركي الخليجي بعد أن أُجِّل أكثر من مرة منذ عام 2003.

وفي حالة توقيع اتفاقيات ثنائية، فمن الصعب قيام الاتحاد الجمركي الخليجي على اعتبار أنه ستكون هناك نقطة دخول واحدة للسلع المستوردة، حيث ستدخل هذه السلع دون رسوم جمركية في الدول التي تتمتع باتفاقيات تجارة حرة، في حين ستفرض رسوم على السلع نفسها في بقية الدول الخليجية، وهذه إشكالية كبيرة لا بد من معالجتها عبر المفاوضات الجماعية مع الدول الأخرى لوضع اتفاقيات لإقامة مناطق للتجارة الحرة معها، تلك الاتفاقيات التي أضحت تشكل أهمية كبيرة بعد أن عمدت الكثير من دول العالم وتكتلاته الاقتصادية لتوقيعها، بغية تحقيق المزيد من المكاسب وتعزيز القوة التنافسية لصادراتها والتي ستتضرر في حالة بقائها خارج نطاق هذا التطور في التجارة الدولية، مع ما سيترتب عليه من فوات فرص مهمة لتنمية التجارة والأعمال.

*خبير ومستشار اقتصادي