الانتماء للثقافة الإنسانية، تفاعلاً ومسؤوليةً، يعد من التحديات الكبرى، خصوصاً لدى شعوب دول العالم الثالث وجنوب الكرة الأرضية تحديداً، إلا أن أكبر نماذج أنسنة هوية الدول خلال العقدين الماضيين جاءت من شبه الجزيرة العربية، متمثلةً بمشاريع التحولات الكبرى من إطلاق مشروع تحدي القراءة الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في 2015، وصولاً لـ«مبادرة الشرق الأوسط الأخضر» والذي أطلقه ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان في 2021.

أدوات الانتماء للثقافة الإنسانية تعزز من مكانة الدولة والفرد، وكذلك تؤسس لاستدامة تطور مفاهيم الاثنين من خلال حضورهما على المستويين الوطني والدولي من الإبداع الفردي إلى المشاريع الكبرى مثل مشاريع الانعتاق من الاتكال على النفط كمحرك للاقتصادات الوطنية. فقبل اعتناق تلك الرؤى الكبرى والمرتكزة على تكافل تمكين الفرد والدولة، كان الإسلام والنفط هما المُعرفان الأوحدان لجغرافيا شبه الجزيرة إنسانياً، إلا أن ذلك تراجع من حيث مكانة تأثيره أرثاً لا مكامنه المتاحة والممكنة.

فالتسامح كمفهوم كان مبهماً خارج نطاق المأسسة لارتكانه إلى الاجتهاد غير المنتمي للعصر، واليوم نجدنا أمام مشاريع مثل البيت الإبراهيمي في أبوظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة، وقوانين تمكين المجتمع عبر تمكين المرأة في المملكة العربية السعودية. الحضور إنسانياً، عبر الانتماء للثقافة الإنسانية من منظور قيم جامعة، لا يعني تحييد خصوصيات الهوية الوطنية، بل تتعزز مكانتها من خلال تأثيرها في محيطها المباشر والبعيد،. ولنأخذ حجم مساهمة أطبائنا ومقدمي الخدمات الصحية خلال جائحة كوفيد19، فهؤلاء المبتعثون كان لوقع انخراطهم في رفع المعاناة الإنسانية عظيم الأثر في رغبة شعوب تلك الدول في استزادة المعرفة بثقافتنا خارج إطار الصور النمطية لإنسان شبه الجزيرة العربية.

وكذلك هو حال الأدوات الأخرى من التناضح الإنساني عبر العلوم والمعرفة ومنها إلى التجارة والرياضة، فذلك التناضح التفاعلي هو الأقدر في عصر باتت فيه أدوات التأثير أو الاحتواء أكبر من قدرة أي دولة منفردة، مما يستلزم ذلك الانخراط على المستويين الفردي والدولة.

الصحراء ستبقى أكبر تحديات إنسان هذه الجغرافيا، إلا أنه أثبت للعالم أنه أكبر من عوامل التصحير أو تصحر هويته، وبرغم ما تمثله عناصرها وعواملها، إلا أنه طَيّع الممكن المنظور لواحات بعناوين إنسانية من صير بني ياس إلى المحميات الطبيعية الممتدة من المملكة العربية السعودية إلى عُمان.

أما الانعتاق من الأنماط الموروثة والتي كُرست ووظفت في نسج صورة نمطية لإنسان هذه الأرض، فإنها لم تعد قابلة لإعادة التدوير أو التوظيف، خصوصاً بعد نجاح ما اجترح من أنموذج إنساني بات المحرك والقاطرة لعموم المنطقة، نتيجة التحول في فلسفة الدولة وطمأنينة إنسانها.

* كاتب بحريني