تتضارب الأنباء القادمة من منطقة الأزمة الأوكرانية بين بوادر الحل ومؤشرات التصعيد، فبعد اللقاء الأول من نوعه بين وزيري الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والروسي سيرجي لافروف منذ اندلاع الأزمة، دعا بلينكن روسيا للمشاركة في مفاوضات دبلوماسية بهدف إيجاد حل سلمي عادل ودائم، ولضرورة عدم التورط في نزاعات مدمرة والحفاظ على قنوات التواصل مفتوحةً بين البلدين لمنع أي انفلات للأسلحة الاستراتيجية.

ومع أن هذا اللقاء جاء في أجواء مشحونة وفي ظل تبادل الأطراف الاتهامات في أسباب الأزمة، فاللافت هو محاولة الطرفين إبقاءَ قنوات الحوار مفتوحةً، وهو ما قد يقود في مرحلة قادمة للحوار وفتح مسارات قد تنهي الحرب. وعلى الطرف المقابل جاءت اتهاماتٌ روسيةٌ لأوكرانيا بشن هجمات داخل روسيا نفسها، وهو أمر بالغ الخطورة قد يقود لتصعيد خطير، حيث اتهمت موسكو قوات أوكرانية بقتل مواطن روسي في بلدة روسية حدودية، لكن كييف سارعت إلى النفي واتهام موسكو بمحاولة تبرير وجود قواتها في أوكرانيا والتمهيد لشن هجمات جديدة.

وهذا في الوقت الذي يستمر فيه تدفق الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، حيث تعتزم بولندا تسليم المزيد من دبابات ليوبارد 2 كجزء من دعم غربي ضخم لأوكرانيا، حيث قدّمت الولاياتُ المتحدة وحدها أكثر من 25 مليار دولار دعماً عسكرياً لأوكرانيا. ووسط كل ذلك التصعيد تأتي الخطة الصينية للسلام لتطرح بكين نفسَها كوسيط سلام عبر بيان من 12 نقطة لتسوية سياسية محتملة.

واللافت أنه في الوقت الذي تؤكد فيه المبادرة الصينية على سلامة وسيادة أراضي الدول، فإنها تعارض أي عقوبات، إذ أن هذه الأخيرة، وفقاً لنص المبادرة، لا تساعد في إيجاد حلول. أما بالنسبة لمواقف الطرفين فقد قالت موسكو إن الخطة طويلة ومرهقة، إلا أنها مهتمة بأي خطة يطرحها الأصدقاء.. فيما جاء رد كييف بالقول إنها منفتحة على الخطة، وإن كانت ترفض بعض النقاط فيها، وإن ما قدمته الصينُ مجموعةَ أفكار وليس خطةً متكاملةً واضحة المعالم. وبغض النظر عن نجاح الخطة الصينية أو غيرها، فالحل الدبلوماسي هو الأساس الوحيد الممكن لإنهاء هذه الحرب التي طالت واتسع نطاق أضرارها، ويبدو أن أكثر المتضررين منها هم المدنيون.

لذا وجب إيجاد حل جاد ينهي حالة المراوحة المستمرة، فالأزمة تقع في سياق أزمات طويلة الأمد، ولا ينبغي السماح بتحوّلها إلى حرب مفتوحة تهدد الاقتصاد العالمي وتخلق معاناةٍ إنسانيةً واسعةَ النطاق. وآثار هذه الحرب لم تكن حكراً على أوكرانيا أو روسيا فقط، بل تضررت منها دولٌ كثيرة أخرى، فالبلَدَان المتحاربان من أكثر البلدان إنتاجاً للمواد الأولية، الغذائية والصناعية، علاوةً على الطاقة الأحفورية بالنسبة لروسيا التي كانت توفر40 بالمئة من استهلاك بلدان الاتحاد الأوروبي للغاز قبل الحرب.

وقد عانت أوروبا أزمةَ طاقة غير مسبوقة. كما أثّرت الحرب وستؤثر على سلاسل التوريد التي تقطعت في بعض أجزائها، مما ساهم في رفع مستويات التضخم وزيادة الأسعار بسبب نقص المواد الأولية الذي أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعارها وأسعار السلع التي تعتمد عليها في تصنيعها.. وهو أمر دفع العالَم ويدفعه نحو مخاطر تضخم غير مسبوق فرض آثارَه القاسيةَ على الدول الأشد فقراً في قارات العالَم.

*كاتب إماراتي