مر عام على الحرب الروسية- الأوكرانية، وما يزال مستقبل هذا الصراع غامضاً، والذي تنال آثاره من سلام واستقرار معظم دول العالم، وذلك من حيث صعوبة الحصول على مصادر الطاقة والغذاء من هاتين الدولتين، خصوصاً إذا علمنا أن إنتاجهما من الحبوب يمثل ثلثي احتياجات دول العالم. ولم يكن ذلك الأثر الوحيد لتلك الحرب، فقد أجبرت نحو 5.91 مليون شخص، أي ما يعادل 65% من عدد السكان على النزوح الداخلي، في حين أن أكثر من 7.9 مليون شخص فروا من ديارهم إلى دول الجوار الأوروبي، ودول مثل أميركا وكندا وغيرهما.
المشهد الراهن يمثل جانباً مما تحدث به المفكر الأميركي صموئيل هنتنغتون حول صراع الأمم وما يرتبط بذلك من اتخاذ قرارات وتبنّي تحالفات ومعرفة الفرص والقيود والحدود الدموية. وبينما تريد روسيا الحفاظ على الحضارة السلافية الأرثوذكسية - التي تمثل أوكرانيا جزءاً منها - ولو بقوة الحرب، فإن الغرب الأورو-أميركي يسعى لمحاصرة روسيا ومنع تمددها خارج حدودها، ويقف بالتالي أمام أحلام الرئيس بوتين.
عندما بدأت روسيا عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وبعدما  بدأت كييف - بمساعدة الغرب - هجومها المضاد، وبين كرّ وفرّ، لا شك أن الطرفين المتصارعين يتحضّران لمواجهة - ربما ستكون الأكثر عنفاً - بعد تعزيز التسلّح في أوكرانيا، وتخطيط روسيا لهجوم واسع مع بداية الربيع المقبل على أقصى تقدير كما تذكر بعض التقارير، وهو ما يفتح باب التكهنات حول مستقبل هذا الصراع الذي سيحدد شكل النظام العالمي الجديد.
على المقلب الآخر لم تبتعد واشنطن عن المشهد منذ ما قبل بدء الحرب، بل استمر حضورها فيه وبرز بقوة مع وصول الرئيس الأميركي بايدن إلى كييف وقوله خلالها (كييف صامدة، وأوكرانيا صامدة، والديمقراطية صامدة) معيداً بذلك - وبصيغة أخرى - ما قاله يوماً الرئيس كينيدي (أنا برليني) عندما زار برلين الغربية عام 1963 وكأنه كان يشير يومها إلى أن الحرب العالمية الثانية كانت لصالح المعسكر الغربي.
والعالم – قطعاً - لم يكن بحاجة لرؤية الرئيس بايدن في أوكرانيا حتى يتأكد أن واشنطن تريد استنزاف روسيا، وإلحاق أقصى أذى ممكن بها، باعتبارها تمثل عدواً لدوداً للولايات المتحدة منذ منتصف القرن الماضي. 

في المقابل وفي هذا السياق يمكن فهم خطاب بوتين الذي ألقاه بمناسبة مرور عام على الحرب، والذي أشار فيه إلى مراهنة الغرب على عزل روسيا، من خلال تفنيده نتائج العقوبات الأوروبية على موسكو، والتي رفعت – حسب خطابه – نسبة التضخم العالمي فيما تأثيرها على روسيا هو 2.1% فقط.
في ظل ما يحدث؛ لم يحقق طرفا الحرب الروسية-الأوكرانية حتى اليوم أي تقدم نوعي لحساب طرف على آخر خصوصاً وأن ترسانة الدولتين من الأسلحة والذخائر تكاد تنفد.
لكن علّ المبادرة الصينية لتسوية الصراع تكون بمثابة طوق نجاة للجميع، وحسناً فعل الرئيس الأوكراني زيلينسكي بترحيبه بالمبادرة، معتبراً أن مساعي الصين لإحلال السلام خطوة مهمة.
آن الأوان لعقد جلسات حوار لإرساء السلام والاستقرار في الدولتين بالدرجة الأولى ووضع حد لمعاناة الشعبين الأوكراني والروسي، وبالدرجة الثانية لشعوب العالم التي تأثرت بسبب تلك الحرب الاستنزافية. فالركود الاقتصادي هو سمة هذه المرحلة الخطيرة والمفصلية، ليس فقط للقارة الأوروبية، إنما لجميع الدول التي تأثرت اقتصادياً وسياسياً، ومن يدري ماذا سيحل بالعالم إنْ أكلتْ الحرب أبناءها وأبناء غيرها.