خفض ورفع أسعار النفط والغاز والعقوبات المفروضة على الدول المنتجة هل يجبر دول العالم وخاصةً الكبرى منها على إعادة النظر في سياستها الخارجية؟ للإجابة على هذا السؤال، لابد لنا أن نعرف أن الولايات المتحدة الأميركية وصفت إعلان منظمة «أوبك» في السنة المنصرمة لخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً على أنه «قصير النظر»! وأطلقوا على مجموعة دول «الأوبك» على أنها «كارتيل» النفط، أي أنها شبيهة بكارتيلات المخدرات الشهيرة في أميركا الجنوبية.
فبعد النمو غير المتوقع في المخزونات الأميركية الأسبوع الماضي وارتفاع الأسعار، مع العلم أن الاحتياطي الأميركي وصل إلى أدنى مستوى له منذ يوليو 1984، هل المجدي أن نعود بالذاكرة إلى أكثر من عشرين عاماً، وذلك عندما طرح في الكونجرس مشروع قانون أطلق عليه (NOPEC) الذي يسمح لوزارة العدل الأميركية بمقاضاة أعضاء منظمة أوبك بتهمة مخالفة قوانين منع الاحتكار، ومن ثم مصادرة أصولهم في الولايات المتحدة لفرض تنفيذ أي غرامات مالية يحكم بها عليهم. لكن لم يتم إقرار القانون حتى الآن حرصاً على العلاقات مع دول المنظمة الأهم بالنسبة لأميركا، مع تحدي صعوبة فك الارتباط بين قرارات «أوبك» والمطالبات الحثيثة لإعادة إحياء هذا التشريع، وخاصةً أن خفض إنتاج «أوبك» يصاحبه تزايد التضخم وارتفاع أسعار الطاقة. ويقابل ذلك أن كبرى شركات البترول العالمية أغلبها من الولايات المتحدة، وهي تستفيد من ارتفاع الأسعار، ولكن يبقى السؤال: من هي الدول الكبرى التي توسعت في العقد الماضي بشركات شبه حكومية في جميع قارات العالم؟ وتعدّ مستفيداً رئيساً من هذا الارتفاع كذلك؟
فما هي بدائل الإدارة الأميركية الحالية لتعويض النقص في الإنتاج؟ وهل يعدّ الحصول على اكتشافات جديدة وزيادة الاحتياطي والإنتاج من خلال الدخول بثقل في فنزويلا، وضع نظام بديل يكون موالياً تماماً لأميركا خياراً قائماً؟ وهل ينطبق الحال على دول في القارة الأفريقية وغير الأفريقية؟ هذه الدول يجب أن تكون مستعدة لتحريك المعارضات والصراعات الداخلية، وبطاقات أخرى رابحة مثل الإرهاب والهجمات من الميلشيات الإقليمية، ومن الطبيعي ألّا تتوقف الدول الكبرى عن التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول، ومسارات تحرك الطاقة ومراكز النقل العالمية والضغط على الدول التي تلعب دوراً في الاكتشافات الحديثة.
ولتحقيق هدف التحكم في أكبر قدر ممكن من الاحتياطي البترولي في العالم لابد من التحرك الطولي والعرضي براً وبحراً وجواً، ولا غرابة أن تُستخدم كل أنواع الحروب ومنها الكوارث لتحقيق مثل تلك الأهداف الجيوسياسية والجيواقتصادية لبناء إمبراطورية أو البقاء عليها قائمة. وقريباً ستنتهي مقولة إن الجغرافيا لا تتغير وسنرى تغيرات في معطيات جغرافية حسبناها ستظل ثابتة أبد الآبدين وستأتي الزلازل والبراكين من البر والبحر لتساهم في ذلك بعيداً عن نظرية المؤامرة لكونها واقعاً حاصلاً بغض النظر إنْ كانت بفعل الطبيعة أم ما يبدو كذلك، وهي الواقعية في تقدير الموقف الاستراتيجي في ظل ارتفاع مستوى عدم اليقين والغموض.
وببساطة في قادم السنوات لا يوجد مجال للوسطية في هذا الصراع من دون إيجاد ثقل موازن كحلف إقليمي وبشراكة دولية مؤثرة لمواجهة أيديولوجية العالم الحر الغربي، وتهديد بشيطنة حكومات ورموز الدول التي لا تتوافق بشكل كلي مع النهج الأميركي الذي يصنّف كل قرار مستقل وسيادي بأنه عمل ضدها، ناهيك عن الأصوات التي تتعالى يوماً بعد يوم للتخّلي عن ضمان البحرية الأميركية لأمن صادرات النفط في الشرق الأوسط، بما أن تلك البراميل تتجه بشكل متزايد إلى الشرق بدلاً من الغرب.
* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات