يأتي شهر مارس من كل عام يحمل رائحة الحبر وصخب القراءة لكونه شهر القراءة، كما تعودنا كل عام منذ انطلاق عام القراءة في 2016 ليكون داعماً لبناء أجيال من القراء الباحثين عن المعرفة وبناء قدراتهم الإبداعية على أسس من المعارف التي تتدفق لعقولهم عبر صفحات الكتب، ولطالما شغلتني قضية مهمة تمس القراءة وتساؤل مُلح يبحث عن إجابة واضحة هل القراءة هواية؟

النظر في ماهية القراءة قد يدفعنا إلى فهم نستنبط منه إجابة عن هذا التساؤل، فالقراءة هي سلوك يمارسه الإنسان، هدفه الحصول على المعرفة التي تساهم في صناعة وعيه وقدراته الفكرية من أجل فهم الحياة والقدرة على مواجهة تحدياتها، والقضايا التي تواجهه على المستوى الفردي أو المستوى المجتمعي.

من هنا لا بد أن نعي أن القراءة ليست مجرد سلوك رفاهي بلا هدف، بل أهم هدفين لها هما صناعة ونمو الوعي ثم الحصول على المعرفة من أجل مواجهة التحديات المختلفة. وتوافر الأهداف الواقعية والحياتية يعتبر دافعاً نحو تبني الإنسان القراءة سلوكاً. حين ننظر إلى الأهداف والدوافع التي نبني عليها سلوك القراءة، سنجد أن أهدافها توائم أهداف ودوافع التعليم، فهل التعليم هواية؟! وهل نتعامل معه مجتمعياً من منطلق أنه هواية أم أنه فرض عين وعلى كل إنسان أن يتعلم من أجل بنيته المعرفية الأساسية وبناء مستقبله وقيمته عضواً فاعلاً في المجتمع؟!

كل الفعاليات والمبادرات والسلوكيات المجتمعية التي تدعم القراءة تتعامل معها من منطلق أنها هواية، وأنه كي تنجح القراءة في دعم الرصيد المعرفي للإنسان، لا بد وأن يكون هناك علاقة مبنية على الرغبة والشغف في أداء السلوك، وهذا مفهوم مع الإنسان المحب للقراءة والذي يمتلك قناعة أنها جزء أساسي من تكوينه، وبناء عليه يوجد فريق آخر يؤمن بأنه لا يمتلك هذه الهواية، ولذلك هم غير ملزمين بها باعتبارها سلوكاً أساسياً في حياتهم.

كي ننجح في بناء علاقة مستدامة بين الإنسان والكتاب، لا بد أولاً أن نغير مفهومنا تجاه القراءة باعتبارها سلوكاً بشرياً انتقائياً وندرجها في خانة السلوكيات البشرية الطبيعية والحتمية مثل التنفس والطعام والتعليم.. نحتاج أن نزيح مفهوم الهواية من قاموسنا اللغوي والمفاهيمي في التعامل معها، والبدء في تغيير نظرة المجتمع والتعامل مع حقيقتها الأساسية، وهو أن القراءة سلوك حتمي وفرض عين على كل إنسان.

نجحنا خلال السنوات الماضية عبر إطلاق عام القراءة وقانون القراءة وتحدي القراءة وشهر القراءة الذي يطلق كل عام، في جعل الأجيال الجديدة تنظر للقراءة نظرة اهتمام، وتتوجه نحو تحقيق المعرفة عبر القراءة والتواصل مع الكتاب بصورة شبه منتظمة. ولكن ظلت تلك النتيجة محبوسة داخل مفهوم الهواية، وأن من يقرأ هو يفعل ذلك لأنه يهوى القراءة وليس لأن القراءة حتمية سلوكية مثلها مثل الكثير من السلوكيات، ولذلك فإننا لا بد أن نتوجه ناحية طرق جديدة ومختلفة تسير نحو العمل على ترسيخ مفهوم مختلف للقراءة، ولن أقول الجديد لأنه من وجهة نظري هو السلوك الطبيعي، لكننا أهملنا التعامل معه من هذه الزاوية وحصرناه في زاوية الهواية.

د. شما بنت محمد بن خالد آل نهيان

*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر بكليات التقنية العليا للطالبات أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة.