حلت قبل أسبوعين من الآن الذكرى السنوية الأولى لانطلاق الحرب الروسية الأوكرانية، حيث مر عام من المواجهات العسكرية بدا معها حتى الآن أنه لا أفق لإيقاف الصراع في القريب العاجل، بل يتضح وجود تصميم لدى كل جانب على الاستمرار في خوض القتال حتى النهاية. وما زال العالَم ينظر لهذا الصراع على أنه حرب بين طرفين متقاتلين قد يؤدي انتصار أحدهما على الآخر إلى نتائج وخيمة على الجميع. والحقيقة أن هذه الحرب أحدثت استقطاباً عالمياً ملحوظاً ومؤثراً على كثير من ملفات السياسة الدولية، لكنها قبل ذلك أثرت على الاقتصاد العالمي تأثيراً لا يقل خطورةً.
إنها حرب توشك أن تغير العالَم الذي عرفناه بعد سقوط جدار برلين، وأن تعيد الثنائية القطبية العالمية على نحو ما، بل ربما تسفر عن تعددية قطبية أوسع من مجرد الثنائية القديمة التي عرفها العالم خلال عصر الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق والرأسمالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وهذا ملمح يتعزز مع الدعم الذي قدمه ويقدمه حلف «الناتو» لأوكرانيا، ومع زيارة الرئيس الأميركي بايدن للعاصمة الأوكرانية مؤخراً، حيث أعلنت أميركا عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة تصل قيمتها نحو 11 مليار دولار لأوكرانيا.
وقد أثّرت الحرب سلباً على معظم دول العالم وانعكست على اقتصاداتها، وأفضت بصفة خاصة إلى نتائج متناقضة من قبيل الغلاء مع الركود والتضخم، وكانت تأثيراتها واضحة على الخصوص في سوق الطاقة، بالإضافة إلى سوق المواد الغذائية التي تسبب وقف تصديرها من روسيا وأوكرانيا في ارتفاع أسعار كثير منها في معظم أنحاء العالم.
وفي ظل التباعد بين المواقف والرؤى على طرفي الحرب، برزت في الآونة الأخيرة مبادرة سلام صينية للوساطة ربما تمثل ضوء الأمل الوحيد في آخر نفق الصراع.
والصين مؤهلة للعب دور الوسيط المحايد وذي المصداقية في إنهاء حرب توشك أن تقسّم العالَمَ، خاصة أنها التزمت الحياد خلال التصويت على قرارات أممية أراد الغرب من خلالها إدانةَ الحرب، وهي على علاقة صداقة وتفاهم وشراكة مع موسكو، كما أنها منفتحة على الطرف الأوكراني، وتعمل في صمت مع القوى الدولية الكبرى رغم كل الخلافات التجارية والاقتصادية العالقة. 

ومنذ يوم الثاني والعشرين من شهر فبراير العام الماضي والحرب تدور رحاها دون أن يستطيع أي من طرفيها تحقيق الحسم أو الانتصار الذي يأمله على الطرف آخر. ولعل مما زاد الأزمة تعقيداً هذا الاصطفاف الغربي الأطلسي (الأوروبي والأميركي) إلى جانب أوكرانيا، في محاولة لإذلال قوة عظمى مثل روسيا، لمجر أنها رفضت اقتراب حلف «الناتو» من حدودها، بينما تصر أوكرانيا على الانضمام لعضوية الحلف العسكري الأمني، كما تصر على دخول الاتحاد الأوروبي، دون مراعاة للهواجس الأمنية لجارة عظمى مثل روسيا.
وربما عن غير قصد من طرفيها، فإن الحرب الأوكرانية جعلت العالَمَ أكثر قلقاً بسبب الغلاء وما ينتج عنه من أزمات، إذ لم يفق المجتمع الدولي من جائحة كورونا حتى تفاجأ باندلاع الحرب الأوكرانية، والتي كانت تأثيراتها مباشرة وعميقة على سوقي الأغذية والطاقة، كما تسببت في إرباك سلال الإمداد التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي في ظل عالم معولم إلى حد كبير.


*كاتب سعودي