خلال لقاء مع أكاديمي إسرائيلي، جرنا الحديث لتناول المشهد الإسرائيلي من عدة أوجه: السياسي/ الاجتماعي/ والإقليمي من المنظور الدولي، إلا أن الصراع على إعادة التعريف بمفهوم هوية الدولة هو محور الصراع السياسي الاجتماعي القائم في إسرائيل، وليس المشروع السياسي للإئتلاف الحاكم بقيادة «الليكود».

حالة الهجرة من الشرق خلال الثمانينيات وخصوصاً ليهود الشرق (الاتحاد السوفييتي سابقاً) كانت بمثابة نصر استراتيجي للمعسكر الغربي والمتمثل في إفراغ (انضاب/ تنضيب) الاتحاد السوفييتي من ثروته العلمية بشرياً، إلا أن استراتيجية اليمين الإسرائيلي، اعتمدت الهجرة برنامجاً في إعادة هيكلة المجتمع الإسرائيلي بما يتناسب والتركيبة الديمغرافية المؤهلة لاستدامة يهودية الدولة، وكذلك الهيكلة السياسية. وقد نجح اليمين الإسرائيلي في تخليق تيارات يمين راديكالي متدين رافض لكل تعريفات الدولة (للدولة اليهودية المُطلقة) انطلاقاً من استحقاقات «توراتية»، وقد مثّل اغتيال إسحاق رابين في نوفمبر من عام 1995 ثباتاً لحالة التحول المتنامية في الحالة الإسرائيلية باتجاه ذلك اليمين.

الحالة الإسرائيلية التي نشهدها اليوم تمثل تحدياً اجتماعياً نتيجة إفراط الدولة في مهادنة تيارات دينية متطرفة، نتيجة لحاجتها ضمن منظومتها الدبلوماسية في الأزمات الكبرى، وخصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك في تمويل عمليات التوسع الاستيطاني. إلا أن توصيف حالة الاحتقان القائمة من منطلق تعارضها ومبادئ الديمقراطية يعد ابتساراً للواقع، فهي أزمة ليست بالوجودية كما يحذر منها البعض، إلا أنها قد تمثل نقطة تحول مفصلية في التاريخ الاجتماعي للدولة العبرية.

قد تجسد حالة الرفض الحادة «إسرائيلياً» لسياسات التحالف الحاكم أنموذجاً اجتماعياً، إلا أن واقع حالة التشرذم في البنية السياسية الإسرائيلية قد يعمق من حالة الاحتقان الاجتماعي، وقد تتطور ليعبر عنها بانفلاتات أمنية قد يسهل احتوائها، إلا أنها قد تقود لتطور بعض التحالفات الدائمة بين اليمين الوسط وأخرى ليبرالية. التحالف الذي أعاد بنيامين الى سدة الحكم من جديد قد يمثل مشهده الأخير على الساحة السياسية الإسرائيلية، حيث غامر نتنياهو بكل تاريخه السياسي فقط ليدافع عن استحقاقه السياسي، فهذا الائتلاف بات غير قادر على اختراق طوق عزلته وطنياً ودولياً رغم كافة مناورته إقليمياً ودولياً، بما في ذلك زيارة إيطاليا تحت عنوان أمن الطاقة.

هل ستعي الأحزاب السياسية الإسرائيلية وكذلك القوى العربية الإسرائيلية قيمة الفرصة التاريخية أمامها، وهل ستعي القوى السياسية الفلسطينية أهمية تطوير أدواتها السياسية بدل الاحتكام لمبدأ التحرير. حالة التشرذم السياسي في الحالتين (العربية والإسرائيلية) لن تقود لتخليق إرادة سياسية آنية او مستقبلية، وستحول دون حدوث مقاربات قد تفضي إلى شكل مقبول بين الجميع لانهاء حالة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

أما ما يتعلق بتفاصيل الحالة الإسرائيلية القائمة، فيجب أن تبقى إسرائيلية فيما يتصل بتفاصيلها الخاصة، إلا أن ذلك لا يعني القبول بما يمثله هذا الائتلاف من سياسات قد تقود لأزمات إقليمية كبرى.

* كاتب بحريني