الإمارات لا تنافس إلا نفسها. ولا يكاد يمر يوم دون أن تكون لها بصمة اقتصادية أو سياسية أو مجتمعية. وهذا الأمر لا ينطبق فقط على الشأن المحلي، إنما يتعدى ذلك إلى الشأن الدولي، وخصوصاً فيما يتعلق بعقد الشراكات التي تعود بالنفع عليها أولاً، ومن بين ما تم إنجازه في الماضي القريب جداً؛ الارتقاء بالعلاقات بين الإمارات وإيطاليا إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية، والشراكة الاقتصادية مع تركيا والتي سبقتها قمة عقدها رئيسا الدولتين.
هذا التوجه نحو عقد الشراكات هو الخيار الإستراتيجي للإمارات من أجل مضاعفة الناتج المحلي إلى ثلاثة تريليونات درهم في 2030، بتحقيق نمو مستدام في القطاعات المختلفة، وخلق قطاعات جديدة لم تكن في السابق من مكونات الاقتصادات، ومن بينها المعرفة والتقنية والثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي. فإذا عدنا إلى الأرقام سنجد أن حجم التجارة الخارجية غير النفطية للإمارات تجاوز حاجز 2.2 تريليون درهم العام الفائت، وهو رقم قياسي غير مسبوق بعد نمو وصل إلى 17% بالمقارنة مع 2021.
بدأت الإمارات بشراكات مع العديد من الأسواق في مناطق مختلفة، وحددت ثماني دول لهذه المرحلة، كما رسمت هدف الوصول إلى 20 سوقاً قبل 2030. تلك الرؤية ستجني ثمارها سريعاً لطالما أنها ملتزمة بتطبيق إستراتيجيتها، وهو ما سينعكس إيجاباً على الشرق الأوسط بأكمله، ويضع الإمارات في قلب حركة التجارة الدولية وعلى خريطة المراكز الجديدة للنمو العالمي، كما يعزز من مكانتها فيما يتعلق بمواجهة التحديات الاقتصادية وإطلاق حقبة جديدة من الفرص.
الاتفاقيات التي وقعتها وتوقعها الإمارات تستهدف فتح مسارات جديدة لمصدري السلع والخدمات، وتأسيس منصة تعاون وشراكة بين الشركات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال. وبفضل هذه الرؤية تخطت الدولة صعاب كثيرة واجهتها في ظل ارتفاع مستويات معدلات التضخم.
حسب التقرير السنوي للتنافسية لعام 2022 الصادر عن «المعهد الدولي للتنمية الإدارية» في سويسرا؛ فإن الإمارات حلت في المرتبة الثالثة عالمياً، فيما تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى تراجع معدل التضخم في الإمارات خلال 2023 إلى 2.8% ليبقى ضمن أقل معدلات التضخم عالمياً.
الملاحظة اللافتة أن كل الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الإمارات ودول أخرى تشمل التعاون في معظم القطاعات، وهو ما يعني انفتاح الآفاق أمام شروعات الانتقال نحو قطاع الطاقة النظيفة والحلول منخفضة الكربون ومبادرات الاستدامة وحماية البيئة، فضلاً عن تعزيز التعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق المزيد من الازدهار والاستقرار في المنطقة بشكل خاص، والعالم بشكل عام، ومع الأخذ في الاعتبار الأهداف المشتركة والمصالح المتبادلة.
الإمارات التي حددت رؤيتها مبكراً؛ اعتمدت الاقتصاد كمحور أساسي تركز عليه في علاقاتها الدولية، وذلك من منطلق الإيمان بأن التعاون بما يعود بالنفع على الشعوب هو أقصر الطرق لحل الخلافات ونزع فتيل الأزمات ووضع حد للصراعات التي تعوق حركة التنمية وتهدر الطاقات والثروات. من جانب آخر تراهن الدولة على هذا المحور بالتحديد ليكون قاطرة العلاقات البينية بين الدول خلال العقد القادم. ولخدمة هذا المسار؛ فإنها تواصل عقد الاتفاقيات مع مختلف الدول، وما تزال الطريق أمامها مفتوحة لتوقيع المزيد من الاتفاقيات، وبناء الشراكات الإستراتيجية، ومن بين ما هو منظور في الأفق اتفاقيات جديدة مع دول آسيوية وأفريقية وأميركية-لاتينية. ولعل هذا الخيار التي اتخذته الإمارات يؤكد أنها تقرأ الواقع بتأنٍ مع عدم إهمال الماضي، ثم تضع الرؤية التي تقودها نحو أهدافها، وهو ما يجعل الدول تنجح.