تهدد أزمةُ تنامي الديون العامة الاقتصادَ العالمي، إذ تتنامى الديون بصورة مخيفة لتتضاعف خلال فترات زمنية قصيرة، دون أن تلوح في الأفق أية آمال بإمكانية للتخفيف من حدتها، علماً بأن التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية المتأزمة تزيدها تعقيداً. ولا تقتصر أزمة الديون هذه على الدول الأقل نمواً، وإنما تشمل الدولَ المتقدمةَ، والتي أدمنت بدورها القروضَ في محاولة للتخفيف من الأزمات الاقتصادية التي تتعرض لها حالياً والممتدة على مدى السنوات الماضية.

البياناتُ المتوفرةُ من صندوق النقد الدولي ومعهد التمويل الدولي تشير إلى ارتفاع كبير في حجم الديون العامة من 226 تريليون دولار في عام 2020 إلى 303 تريليونات دولار العام الماضي، بنسبة ارتفاع بلغت 34%، منها 121.2 تريليون دولار، أي ما نسبته 40%، عبارة عن ديون سيادية، وهو ما يشكل 119.3% من الناتج الإجمالي العالمي البالغ 101.6 تريليون دولار في عام 2022.

لقد ساعدت العديدُ من العوامل على الارتفاع الكبير في حجم الدَّين العام خلال العامين الماضيين، منها جائحة «كوفيد-19»، وارتفاع أسعار الفائدة، والحروب والصراعات، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الاقتراض لتغطية العجز وتمويل الواردات والنفقات العسكرية التي ارتفعت بنِسب كبيرة أيضاً. وتعاملت دولُ العالم بصورة مختلفة مع هذه المشكلة، فالدول المتقدمة تضامنت فيما بينها، كما حدث في أزمتي اليونان وإيطاليا، حيث تدخَّل البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي لانتشال هذين البلدين من الانهيار، كما أن الدول المتقدمة تملك أدوات لا تتوافر للدول الأقل نمواً، كطباعة النقد أو التسيير الكمي، للتغطية على هذه الأزمة.

فالولايات المتحدة على سبيل المثال، والتي وصل فيها حجم الدَّين العام في عام 2022 إلى 31 تريليون دولار، وهو ما يمثل 124% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 25 تريليون، قامت بطباعة أكثر من 9 تريليونات دولار، وكذلك فعل كل من الاتحاد الأوروبي والصين واليابان.

وهذه الأداة المهمة لا تملكها الدول الأقل نمواً، وهو ما يعمق من أزماتها المالية ويُغرقها أكثر في مستنقع الديون، إذ إن 60% من هذه الدول أصبحت غير قادرة على تسديد ديونها، حيث صرّح رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد الأسبوع الماضي بأن «إثيوبيا غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالقروض»، علماً بأن بعض الدول، مثل سريلانكا، أصبحت غير قادرة حتى على دفع تكاليف خدمة ديونها، حيث أجلت الصين مؤخراً التزاماتها المترتبة على سريلانكا.

ورغم ذلك، فإن عمليةَ طباعة العملة سوف لن تشكّل مخرجاً للدول المتقدمة، فالأزمة القادمة ذات طابع عالمي، أي أن عجزَ مجموعة من الدول عن السداد سيجر معه بقية الدول، وذلك بحكم الترابط القوي بين مكونات النظام المالي، حيث ستتدحرج كرة الديون لتجرف معها الاقتصادَ العالَمي نحو أزمة مالية جديدة، وذلك لأسباب، منها أن الناتج الإجمالي العالمي بكامله لا يغطي حجم الديون السيادية، فما بالك بحجم الديون العامة المتنامي بسرعة والذي يشمل القطاع الخاص والأفراد.

وللأسف، لا توجد بوادر لإمكانية الخروج من أزمة الديون، لا على مستوى الدول النامية ولا على مستوى الدول المتقدمة والتي ستجد نفسَها مستقبلاً غير قادرة إلى الاستمرار في عمليات طبع النقود والتي ستترتب عليها تبعات اقتصادية، مثل التضخم وأسعار صرف العملة المرتبطين بمستويات المعيشة والأجور.

أما الدول النامية الفقيرة، فسيكون وضعُها أسوأ من ذلك بكثير، إذ سيزداد العجز في موازناتها السنوية، ولن تكون قادرةً على تمويل وارداتها، بما في ذلك الغذائية، ما سينتج عنه انهيار اقتصاداتها، مع ما سينجم عن ذلك من تداعيات اجتماعية خطيرة. مشكلة الديون إذاً مشكلة عالمية لا تخص مجموعةً من الدول دون غيرها، وذلك رغم التفاوت في التعامل مع هذه الأزمة، ما يعني أن التساؤل الحقيقي ليس: هل ستنفجر فقاعة الديون أم لا؟ بل هو: متى ستنفجر فقاعة الديون لتجر معها الاقتصاد العالمي نحو أزمة طويلة وشاملة.

*خبير ومستشار اقتصادي