في الوقت الذي يكابد فيه العالم تداعيات التحديات المناخية والبيئية، فإنه سيكون خلال هذا العام 2023 على موعد مع حدثين بالغي الأهمية في مسيرة عمله المناخي، أولهما ما سيُطرح خلال اجتماعات الربيع على طاولة البنك الدولي من نقاشات جادة حول خطة تمويلية طَموح لتحفيز العمل المناخي الدولي، والثاني هو النسخة الاستثنائية رقم 28 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتي ستستضيف فعالياتها مدينة دبي في نوفمبر وديسمبر القادمين.

ومن المعلوم أن عزيمة التمويل الدولي طويل الأجل ظلت تتمحور دائماً حول خطط وإمكانات البنك الدولي وتوجهات مؤسساته التمويلية. وبينما الأمر على هذا النحو، فإن تبني البنك لأهداف تعزيز الاستدامة والصمود، إضافة إلى مهمته الحالية المتمثلة في الحد من الفقر وتعزيز الرخاء، لهي إضافة قيمة للعمل المناخي الدولي.

وحينما تُترجم هذه الأهداف الجديدة في صورة تمويلات إضافية قدرها 50 مليار دولار لتعزيز إمكانات الدول ذات الدخل المتوسط أو ذات الجدارة الائتمانية المنخفضة على امتداد السنوات العشر القادمة، فمن المنتظر أن تصبح هذه التمويلات رافعة قوية لجهود العالم، وخصوصاً بلدانه الأقل نمواً، في احتواء الاحتباس الحراري ومكافحة الانبعاثات الكربونية الضارة. وكيف لا، ومشكلة النفاذ للتمويل هي التحدي الأكثر إلحاحاً في قائمة طويلة من تحديات العمل المناخي الدولي. وحتى لو كان التمويل الإضافي المقترح من البنك الدولي ليس مجانياً، كما هو حال كافة تمويلات البنك، فإنه يتسم بعدة مزايا تجعله ذا أثر إيجابي في دعم الجهود المناخية الدولية، فهو من ناحية يتسم باليسر وبالسهولة النسبية في الوصول إليه من قبل الدول محدودة القدرات التمويلية.

وما يؤكد ذلك أن عدة دول من منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط متوقع أن تحوز وحدها تمويلاً مقداره نحو 5.5 مليارات دولار خلال العام الحالي لتحقيق أهداف الاستدامة بشتى صورها.

ومن ناحية ثانية، ستُغطَّى تمويلات البنك الدولي بمظلة مؤسسية للمتابعة والرقابة الدولية لتضمن أن توجَّه للأغراض الأكثر فائدة للمناخ، كما أنه نتيجة للمكانة الدولية التي يتمتع بها البنك الدولي في النظام الاقتصادي الدولي، فإن خريطة تمويلاته المناخية لن تمثل حافزاً قوياً ومرشداً موثوقاً للتمويلات الدولية الخاصة فحسب، بل ستخلق كذلك فرصاً ربحية للشركات الدولية الرائدة في العمل المناخي.

وبالتوازي مع هذه التحركات الدولية واستكمالاً لها يأتي الدور المهم الذي تقوم به دولة الإمارات في الإعداد لتنظيم نسخة استثنائية من مؤتمر كوب 28 تسعى بالأساس للوصول إلى حلول جذرية لقضية التمويل الدولي للعمل المناخي، ليس فقط من حيث كفاية هذا التمويل للاحتياجات الدولية الحالية والمستقبلية، ولكن لكي يتسم بالعدالة والكفاءة بين دول العالم وأقاليمه المختلفة أيضاً. وثمة جهود كبيرة تقوم بها الدولة من أجل تقريب المواقف بين الأطراف الدولية ودعم الجهود الرامية إلى تحقيق اختراق مهم في ملف التمويل، ولا سيما بشأن صندوق الأضرار والمخاطر الذي أقرته قمة شرم الشيخ من دون الاتفاق على تفاصيله.

وتتركز الآمال على دولة الإمارات لتحقيق توافقات دولية بهذا الشأن وفي العديد من الملفات الأخرى التي ستُطرح على أجندة «كوب 28»، بالنظر إلى ما تتمتع به من ثقة دولية، وما تقوم به من جهود لدعم الاستدامة والعمل المناخي. ولا شك في أن استعداد الدولة المبكر والذي تمثل في انطلاق أولى فعاليات «الطريق إلى كوب 28» منذ أيام في إكسبو دبي يعزز هذه الآمال.

فهد المهري*

 *رئيس قطاع مكتب دبي- مركز تريندز للبحوث والاستشارات