شعرتُ بالفخر مؤخراً، مثل عشرات الآلاف الآخرين، لوجودي في ساحة الجمهورية للدفاع عن إرث دولة الرفاهية الفرنسية. وهذه هي الساحةُ الباريسية التي بدأت فيها احتجاجاتٌ كثيرة واسمها تذكير رمزي بالمثُل العليا للجمهورية الفرنسية، أي الإخاء والمساواة والحرية. وفي جميع أنحاء البلاد، تجمع الملايين في احتجاجات دورية للدفاع عن أحد جواهر التاج لنموذج الرفاهية الفرنسي، وهو نظام المعاشات التقاعدية. والرئيس إيمانويل ماكرون مصمم على إصلاح نظام التقاعد ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، وكان ينوي في البداية رفعه إلى 65 عاماً. ونسبة كبيرة من السكان، تبلغ 67 بالمئة، تعارض الإصلاح. ولأول مرة منذ سنوات، يقف عددٌ كبير من أقوى النقابات معاً ضد الحكومة. ولم تُظهِر الاحتجاجاتُ أي علامة من علامات الفتور. ففي السابع من مارس الجاري، تم التخطيط لإضراب وطني مشهود للنقل، وهو إضراب كبير سيلفت انتباهَ الحكومة بالتأكيد. 
ويرى ماكرون أن الحسبة بسيطة، فلا يمكن لنظام التقاعد الفرنسي أن يحافظ على نفسه مالياً، لأن متوسط ​​العمر المتوقع آخذ في الازدياد، ويتعين على الناس العمل لفترة أطول. لكن كثيرين ينفون هذا التأكيد. وأشار الخبير الاقتصادي ميشيل زمور إلى أن الحكومة اختارت في السابق خفض ضرائب الإنتاج على الشركات، مما أدى إلى خسارة 15 مليار يورو سنوياً منذ عام 2020، وهي تستهدف التعويضَ عن الخفض الضريبي السابق. وبموجب الاقتراح الجديد، سيساهم المواطنون الفرنسيون الأكبر سناً، الذين على وشك التقاعد، بمبلغ غير متناسب في المدخرات العامة. وفي الجانب الآخر، تمتلك الشركات الكبيرة موارد تحت تصرفها أكثر بكثير من تلك التي يمتلكها المواطنون الأفراد. ومن ثم فزيادة الضرائب المفروضة على الشركات طريقةٌ أكثر إنصافاً لزيادة الإيرادات الحكومية. 
ومن المؤكد أن أعمار الفرنسيين أصبحت أطول الآن، ففي عام 2020 بلغ متوسط ​​العمر المتوقع في فرنسا عند الولادة نحو 85.3 عام للنساء و79.2 عام للرجال، وفقاً لبيانات المعهد الوطني الفرنسي للدراسات الديموغرافية. وهذا من بين أعلى الأرقام في العالم. لكن أعداد الوفيات تختلف بين الطبقات الاجتماعية، فالممرضات يعشن سبع سنوات أقل من النساء الأخريات، و30 بالمئة من أعضاء فِرق التمريض يتقاعدون مصابين بإعاقة. ويعيش العمال ذوو الياقات الزرقاء ستة أعوام أقل من المديرين التنفيذيين، ويموت ربع أفقر الرجال في سن الـ62، بينما يظل 94 بالمئة من الأغنياء على قيد الحياة حتى سن الـ64، و40 بالمئة فقط من الفقراء يعيشون حتى سن الثمانين، بينما يبلغ هذه السن 75 بالمئة من الأغنياء. ولذا من السهل معرفة مَن يحتاج إلى دخل تقاعدي أكثر من غيره. وإذا تم تبنيه، فإن إصلاح نظام التقاعد سيؤذي بشكل غير متناسب الفئات السكانية الأكثر ضعفاً اقتصادياً، أي العمال ذوي الدخل المنخفض من النساء وسكان الأقاليم الفرنسية خارج فرنسا القارية وأغلبهم من ذوي البَشرة السمراء.
ومن خلال مشاركتي في بعض الاحتجاجات والإضرابات خلال الأسابيع القليلة الماضية، بلغ فخري بزملائي من المواطنين ذروةً عليا، فقد عقدوا العزمَ على حماية مصلحتنا المشتركة. ويُظهِر هذا العددُ الكبيرُ من الأشخاص الذين يأخذون أيام إجازة للدفاع عن نموذجنا الاجتماعي الذي يحظى بتقريظ في جميع العالم، أننا على استعداد للدفاع عن القيم الفرنسية. وكوننا نعيش أطول لا تعني أنه يجب قضاء حياتنا في العمل لدى الشركات الرأسمالية مراعاةً لاحتياجاتها. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»