الحمد لله أن المجتمع المدني الإسرائيلي أرغم رئيسَ الوزراء بنيامين نتنياهو على أن يعلّق، في الوقت الراهن، محاولته الرامية لفرض سيطرته على القضاء المستقل في إسرائيل والحصول على حرية مطلقة للحكم كما يشاء.

ولكن هذه القضية كشفت عن واقع جديد ومزعج للولايات المتحدة: لأول مرة، واقع خطر ليس فقط على الإسرائيليين فقط ولكن أيضاً على المصالح والقيم الأميركية المهمة. وهذا يستدعي إعادة تقييم فورية من قبل كل من الرئيس جو بايدن واللوبي اليهودي الموالي لإسرائيل في أميركا.

فلسان حال نتنياهو يقول لهم: «ثقوا في العملية»، «إن إسرائيل ديمقراطية سليمة»، ثم يهمس إليهم: «لا تقلقوا بشأن المتعصبين الدينيين والعنصريين اليهود الذين جلبتُهم إلى السلطة للمساعدة على عرقلة محاكمتي. إنني سأبقي على إسرائيل داخل حدودها السياسية التقليدية. هذا أنا، صديقكم القديم «بيبي».

فمنذ اليوم الأول، اتضح للكثيرين منا أن هذه الحكومة الإسرائيلية ستذهب إلى حدود متشددة لم يسبق لأي حكومة من قبلها أن تجرأت على الوصول إليها، وأنه في غياب حواجز حماية حقيقية، ستأخذ الولايات المتحدة ويهودَ العالم عبر خطوط حمر لم يتخيلوا يوماً تخطيها، والقضاء على الأمل في حل الدولتين، ودفع إسرائيل في عيد ميلادها الخامس والسبعين إلى حافة حرب أهلية. وذلك لأن السبيل إلى تطبيق أجندة الحكومة المتشددة كان دائماً هو السيطرة أولاً على المحكمة العليا الإسرائيلية، التي تُعد الكابح الشرعي والمستقل الوحيد لطموحات نتنياهو وشركائه المتطرفين في الائتلاف – من خلال عملية متنكرة في هيئة «إصلاح قضائي».

ومع السيطرة على القضاء، ستحكم إسرائيل بطرق أشبه بطرق أنظمة سلطوية منتخَبة، منها بطرق إسرائيل التي عرفها العالم دائماً. وبعد احتجاجات غير مسبوقة في نهاية الأسبوع لقطاع عريض وواسع من المجتمع الإسرائيلي، عرض نتنياهو تعليقَ جهوده الرامية إلى السيطرة على القضاء وإعطاء مهلة شهر لمفاوضات مع المعارضة لرؤية ما إن كان بالإمكان التوصل لتوافق.

وتحتاج الولايات المتحدة أولاً للتأكد من أن نتنياهو لن يستخدم أسلحة أميركية للانخراط في أي نوع من الحرب الاختيارية مع إيران أو «حزب الله» بدون الدعم الكامل والمستقل للقيادة العسكرية العليا الإسرائيلية، التي تعارض انقلابه القضائي. وبعد 50 عاماً من إرسال الولايات المتحدة لمليارات ومليارات الدولارات من المساعدات الاقتصادية والعسكرية، تظهر إشاعة وكذبة مفادها أن الحكومة الأميركية تقف وراء الاحتجاجات الضخمة ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي – وأن هذا لا يمكن أن يكون احتجاجاً حقيقياً عفوياً لقواعد شعبية؟ لا بد أنها مموَّلة من الولايات المتحدة. إنني لا أختلق هذا. وسَل نفسك: أي رئيس وزراء يمكن أن يجازف بتقسيم جيشه – وهو ما تفعله هذه المحاولة للسيطرة على القضاء – في وقت باتت فيه إيران قادرة على تصنيع ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية في أقل من أسبوعين؟

فقبل أسبوع ونيف، منح وزيرُ دفاع نتنياهو يوآف غالانت، وهو زعيم عسكري يحظى بالتقدير والاحترام وبدأ مساره العسكري ككوماندوز بحري، رئيسَ الوزراء اختياراً: تجميد محاولة تنفيذ الانقلاب القضائي بدون حوار وطني، أو الذهاب قدماً فيها واستقالة وزيره في الدفاع ورفض قطاعات عريضة من قوات الجيش والقوات الجوية الاحتياطية الحضور للخدمة. حينها أقدم نتنياهو على الخطوة اللافتة المتمثلة في إقالة غالانت.

وكما قال مراسل صحيفة «هآريتس» العسكري آموس هارل: «من الصعب التفكير في مسؤول دفاع واحد لم يُصدم بقرار نتنياهو». لقد آن الأوان أخيراً لكي توضّح الحكومةُ الأميركية والكونجرس الأميركي والزعماء اليهود الأميركيون وزعماء اللوبيات، الذين كانوا في الكثير من الحالات حلفاء نتنياهو، بما لا يدع مجالاً للشك أو اللبس، بأنهم يشاركون أيضاً في المظاهرات إلى جانب كل أولئك الإسرائيليين – من الجيش، وقطاع التكنولوجيا العليا، والجامعات، والمجتمعات الدينية التقليدية، والأطباء، والممرضين، وطياري القوات الجوية، والمصرفيين، والنقابات، وحتى المستوطنات – الذين خرجوا إلى الشوارع خلال الأسبوع الماضي لضمان ألا يكون عيد ميلاد ديمقراطية إسرائيل الخامس والسبعين هو آخر أعيادها.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

* كاتب وصحافي أميركي