قبل أقل من أسبوع، صدر تقرير أممي اشتركت في وضعه وإعداده عدة منظمات دولية معروفة، من بينها: منظمة الأغذية والزراعة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية والأسكوا. والتقرير يدق جرس الإنذار بلونه الأحمر المتوهج حول حالة الأمن الغذائي في العالم العربي.
وقد جاء التقرير بعنوان «التجارة كعامل تمكين للأمن الغذائي والتغذية»، وهو عنوان عملي وواقعي يحمل في ذاته مفتاح حل الأزمة باختصار، أي التجارة. والتجارة هنا ليست بمعناها التقليدي، بل بمعناها السياسي الإقليمي ضمن منظومة تعاون وتكامل، لتحقيقها لا بد من توافر عوامل كثيرة تحقق النجاح في إنقاذ الملايين من مخاطر الجوع وسوء التغذية.
التقرير يكشف أن ما يقدر بنحو 53.9 مليون شخص عانوا من انعدام الأمن الغذائي الشديد في المنطقة العربية خلال عام 2021، أي بزيادة نسبتها 55 في المائة عما كان عليه الحال في عام 2010، وبزيادة قدرها 5 ملايين عن العام السابق. 
ويحذِّر التقريرُ من أن انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد إذا واصل منحاه التصاعدي، سيؤثر سلباً على ما يقدر بنحو 154.3 مليون شخص في عام 2024، بزيادة قدرها 11.6 مليون شخص عن العام السابق.
وبالإضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى أن أكثر من نصف سكان الدول العربية، أي 162.7 مليون شخص، لم يستطيعوا تحمّل كلفة تبني نمط غذائي صحي في عام 2020. وتتزايد تكلفة اتباع نمط غذائي صحي في المنطقة العربية منذ عام 2017، حيث وصلت التكلفة في عام 2020 إلى 3.47 دولار أميركي يومياً للفرد الواحد.
إنها أزمة لا تتوقف تبعاتها الكارثية عند حدود معينة، بل هي ممتدة بتداعيات في الإقليم كله، مما يضع مفهوم التعاون الإقليمي من جديد على رأس الأولويات في كل سياسات المنطقة ودولها.
ويوصي التقرير بأن يركز واضعو السياسات في العالم العربي على تسهيل تجارة المواد الغذائية، مثل تقليل الحواجز التجارية، وإنشاء مناطق جديدة للتجارة الحرة، وتبنّي التقنيات الرقمية، وتقليل الحواجز غير الجمركية، وتنسيق الممارسات التنظيمية، وتعزيز الحوكمة، وتوسيع التعاون والتنسيق بين أعضاء المجتمع الدولي.
ويسلط التقريرُ الضوءَ على حقيقة أن التجارة الدولية ليست مهمة فقط لتوفر الغذاء، ولكنها تلعب دوراً رئيسياً كذلك في تعزيز التكنولوجيا من خلال نقل المعرفة التي يمكن أن تساهم في زيادة الإنتاجية وتحسين فرص العمل وتنمية المداخيل.
وفي توصيات التقرير نجد دعوة الدول العربية إلى الاستفادة من التجارة البينية والاعتماد بشكل أكبر على قدرات بعضها البعض، حيث تساعد التجارة الإقليمية على الحد من نقص الغذاء خلال دورات الإنتاج الزراعي العادية وتوفر آلية مهمة لمعالجة نقص الإنتاج أو اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن الآثار السلبية وغير المتوقعة للأحداث العالمية.
لو تأملنا قليلاً في توصيات التقرير لوجدنا ببساطة أنها هي ذاتها العناصر الأساسية لكل المبادرات التي دعت إليها دولة الإمارات منذ وقت مبكر بعد الجائحة وقبل أزمة أوكرانيا.
نحتاج بشدة إلى صوت العقل في هذه المرحلة الانتقالية من التاريخ البشري، والتغيرات الإقليمية عليها أن تتبنى مفردات جديدة يتبناها العالم بالضرورة، عنوانها التكامل الإنساني.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا