دعت رئيسةُ مفوضية الاتحاد الأوروبي دولَ الاتحاد، نهايةَ الشهر الماضي، إلى تقليل المخاطر في العلاقات مع الصين دبلوماسياً واقتصادياً، واعتبرت قبل زيارتها مع الرئيس الفرنسي للصين، وهي الزيارة التي يُفترض أن تبدأ عقب نشر هذه المقالة، أن العلاقات مع بكين أصبحت أكثر صعوبةً وتباعداً خلال السنوات القليلة الماضية. غير أنها أضافت أنه بالنظر للثقل الاقتصادي للصين، ونفوذها العالمي، فإن إدارة الاتحاد الأوروبي لهذه العلاقات ستكون عاملاً حاسماً للازدهار الاقتصادي والأمن في الاتحاد. كما لفتت إلى الحاجة الأوروبية لمواصلة الحوار والتعاون مع الصين حول قضايا صعبة مثل تغير المناخ. والمعضلة هي أن الصين بالغة الأهمية لأوروبا اقتصادياً على الأقل، إذ أصبحت الشريك التجاري الأول للاتحاد منذ عام 2020 بعد أن أزاحت الولايات المتحدة بتبادل تجاري بلغت قيمته 586 مليار دولار، فيما توقف حجم التبادل التجاري الأميركي مع الاتحاد عند 555 مليار دولار. وإلى ذلك فإن أوروبا منذ عام 2019 على الأقل تَعتبر الصينَ منافساً بالإضافة لكونها شريكاً. وجاءت الحربُ الأوكرانيةُ لتُعَمق هذه المعضلة، صحيح أن الصين لم توافق على العملية العسكرية الروسية لكنها لم تدنها، ولم تشارك في العقوبات التي فرضها التحالف الغربي على روسيا، بل واصلت تعميق العلاقات معها، وهي علاقات كانت قد وصلت قبيل العملية العسكرية الروسية مباشرة إلى ذروة جديدة بالبيان المشترك الصادر عقب زيارة الرئيس الروسي لبكين، وكان دليلاً أكيداً على نهج مشترك للبلدين تجاه النظام العالمي القائم.
ومع أن رئيسة المفوضية الأوروبية قد أشارت في تصريحاتها إلى أن الأسلوب الذي ستواصل به الصين التعاملَ مع حرب أوكرانيا سيكون عاملاً حاسماً في العلاقات بين الطرفين، فأغلب الظن أنها تقصد بذلك أن خروج الصين عن سياستها الراهنة إزاء روسيا سوف تكون له عواقبٌ سلبيةٌ على العلاقات الصينية الأوروبية، لأن التضحية بها ستكون بالغةَ التكلفة على الجانب الأوروبي. 

والواقع أن استمرار السياسة الصينية الراهنة لم يمنع حتى الآن من التواصل المباشر -إن لم يكن الكثيف- بين القيادات الأوروبية والصين، كما في زيارة المستشار الألماني لها في نوفمبر الماضي، ثم زيارة رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل واستقبال الرئيس الصيني له في الشهر التالي مباشرة، حتى قيل إنها محاولة لإظهار وحدة الموقف الأوروبي تجاه الصين بعد أن تعرضت زيارة المستشار الألماني لانتقادات أوروبية وأميركية.. وأخيراً وليس آخر زيارة رئيس الوزراء الأسباني آخر الشهر الماضي. وكلها مؤشرات على أن الحفاظ على العلاقة الأوروبية الصينية وحسن إدارتها بات هدفاً لا غنى عنه لأوروبا.
غير أن الصورة تبدو مختلفة على الجانب الآخر من التحالف الغربي، وهو الجانب الأهم، أي المتمثل في القيادة الأميركية لهذا التحالف، حيث تتعدد مؤشرات التصعيد الأميركي إزاء الصين، سواء على الصعيد الاستراتيجي كما يتمثل في محاولة تطويق الصين بتحالفات كتحالف «أوكوس» مع بريطانيا وأستراليا منذ سبتمبر2021، ومن قبله الحوار الأمني الرباعي مع اليابان والهند وأستراليا منذ عام 2007، أو على الصعيد الدبلوماسي بمحاولات استفزاز بكين من خلال التواصل الدبلوماسي رفيع المستوى مع تايوان وتأكيد نية الدفاع عنها حال وقوع هجوم صيني عليها! والأخطر من ذلك هو الحديثُ صراحةً بمناسبة مناقشة الميزانية الدفاعية للعام القادم حول جدية التحضير لمواجهة عسكرية مع الصين، وهو موضوع جدير بمناقشة خاصة.

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة