نظرية البجعة السوداء (black swan theory) تُشير إلى صعوبة التنبؤ بالأحداث المفاجئة. وتقوم هذه النظرية على الفكرة السائدة بأن البجع كله أبيض أما وجود البجع الأسود فهو نادر ومفاجئ - وكان ذلك قبل اكتشاف البجع الأسود في أستراليا الغربية الذي كان حدثاً غير متوقع - وتنطبقُ هذه النظرية على الأحداث في ملف الأزمات والكوارث، وهو ما أشار إليه البروفسور «نسيم نقولا»، الأستاذ الجامعي في هندسة المخاطر بمعهد البوليتكنيك في جامعة نيويورك، وهو الفيلسوف والمفكّر الأميركي من أصل لبناني والذي أصدر كتابه عام 2007 بعنوان «البجعة السوداء»، وكان لتلك الأطروحات الأثر الكبير في إعادة النظر في مفهوم توقع غير المتوقع من مخاطر، والتي قد تكون معروفة لدينا أو متوقعة بنسبة أو بأخرى، وهي تحيط بالإنسان وبيئته المباشرة وغير المباشرة في شتى مجالات الحياة، وأخرى لا نعرفها ولا نفهمها، ولكننا نتوقع أنها موجودة أو هناك مؤشرات من نوع ما تشير إلى احتمالية وجودها أو حدوثها، وأمور أخرى نجهلها تماماً ولكن لا يعني ذلك أنها غير موجودة أو لن تحدث في المستقبل.
فبعد وقوع الحدث، نتعرض لما يسمى بانحياز الإدراك المتأخر أي رؤية الأحداث الماضية على أنه كان من الممكن التنبؤ بها قبل حدوثها، وبالتالي اعتماد الإنسان على الخبرات السابقة والدراسات البحثية المحكمة والملاحظات المعتمدة التي تفترض أن الإحصائيات تمثل عينات من التوزيع الطبيعي للملاحظ، ناهيك عن الاحتمالات الإحصائية الرقمية المتطورة للغاية، والتي مهما كانت مذهلة ليس بالضرورة أن تكون وسيلة فعّالة لقراءة الأحداث المستقبلية غير المتوقعة، ولهذا يجب أن يكون التحضير لأحداث البجعة السوداء بالقدر الذي يكون ممكناً ومتوازناً مع مطالب النتائج قصيرة المدى، والشاهد أن تأثير جائحة كورونا كان أكبر فشل في التكيّف في الوقت المناسب مع تهديد ناشئ،
وفي عالم الفاشيات والأوبئة والجائحات القادمة ومظاهر التغير المناخي، وما يترتب عليه من كوارث بيئية واقتصادية واجتماعية سيكون التحدي فوق قدرة الإنسان على تقبل التغيير، وخاصةً أن الإنسان يسعى نحو الكمال والجاهزية الكاملة مع أنه أسلوب ونهج تفكير يتحول لعدو للفعالية، وعليه فمن المهم بمقدار الخروج من مصطلح المرونة والصمود الوطني إلى مصطلح المنظومة الوطنية غير الهشة وغير القابلة للكسر، ومفهوم الاستعداد للاستعداد، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستكون الموارد البشرية الحالية الغارقة في البحث عن المرجع وأفضل الممارسات والإجراءات الروتينية قادرة على الحد من تداعيات مخاطر أقرب إلى الثقوب السوداء ولا نعرف بأننا لا نعرفها؟ وقبول حتمية فشل خطط الطوارئ والأزمات والحد من الكوارث الحالية! لأن من وضعوها ويعدلون عليها يرفضون الاستعداد للمجهول كحدث حتمي الحدوث.
فالإدارة المتقدمة للأزمة تبدأ من افتراضات الأزمة قبل حدوثها أو الكارثة المتوقعة وغير المتوقعة، والتي قد لا يكون لها بيانات ودلائل تذكر والرجوع للعقل البشري الاستباقي، والخيال المركّب ليكون سيد الموقف في إدارة الأزمات وليس الإجراءات، مع وضع بدائل مستدامة تعد جزء من منظومة الجاهزية الحالية، وخاصة أن الخطط الحالية ستسقط في الثواني الأولى في مواجهة غير المعتاد والمتعارف عليه، ولهذا فإن السيطرة على الأحداث يجب أن تُفعل بسنوات قبل الحدث، ولعب الذكاء الصناعي المشغل بعوامل طبيعية كالهواء كطاقة اليد العليا في دعم أو اتخاذ القرار. وينطبق الحال كذلك على الإنذار الاستراتيجي عن أزمات وكوارث قد تحدث والاستعداد لها وكأنها وشيكة بالرغم من غياب الأدلة. ولذلك فمن الضروري استبدال التخطيط الوطني للاستعداد لمخاطر الكوارث بالسيناريوهات الاستراتيجية الوطنية التفاعلية على مدار الساعة، وتجنب الاخفاقات من انصهار الأزمات والأحداث التي تبدو وكأنها حدث واحد، وهو ما يتطلب التخلي عن العقول والهياكل العقيمة المفتقدة لقدرات التكيف اللحظي والرشاقة، والتي ترفض العيش في المستقبل وتساهم في صناعته بفكرها لمواجهة المجهول على جميع المستويات. 

* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمى وحوار الثقافات