بعد أكثر من تسعة عقود على تأسيس جماعة «الإخوان المسلمين» على يد حسن البنّا، الأب الروحي للجماعة، يتعرض «الإخوان» اليوم لمخاطر تَمس بقاءَ تنظيمهم وتتمثل بحملات الملاحقة القانونية بعد إدراج عدد من رموزهم وقياداتهم على لوائح الإرهاب وقوائم المطلوبين دولياً، في أشرس حملات الملاحقات القضائية في تاريخهم منذ نشأة الجماعة عام 1928.. ليستخدموا الآن خطابَ التظلم وإنكارَ نهجهم في العنف والتطرف بادعاء الاعتدال والوسطية! إنها استراتيجية جديدة من الجماعة الإرهابية سعياً للبقاء ولكسب التأييد والاندماج في مؤسسات العمل الاجتماعي والإنساني في الغرب. ولذلك الغرض تُحرك الجماعةُ أتباعَها محاوِلَةً تصويرَ الملاحقات بحقها على أنها مواجهة بين الحق والباطل!
نحن أمام حالة فريدة في التاريخ السياسي لتنظيم يَخسر ويصور نفسَه كرابح.. لجماعة فقدت شعبيتَها في عدة أقطار عربية بعد سنوات تمكنت خلالها من الوصول إلى الحكم في مصر، لكن الشعب هناك أزاحها وتوعدته، منذ ذلك الوقت، بإشعال البلاد في مناسبات عدة. 

وبمرور الوقت ظهر أن قوتَهم على الأرض تَضعُف، وأن تأثيرهم يَقل بشكل مستمر، وأن نجمهم يأفل يوماً بعد آخر.. وحتى إن استمرت دول أو أجهزة استخبارات أو وسائل إعلام، عربية أو غربية، في دعمهم ومناصرتهم، فواقع الأمور يشير إلى أن اللعب على وتر الحقوق والفقر وتراجع الخدمات.. لن يدفع الشعوب العربية لتكرار الوثوق بجماعة «الإخوان»، خصوصاً بعد اكتواء هذه الشعوب بنار خيانات الجماعة وسوء إدارتها في دول ما سمي «الربيع العربي»، وبعد الكوارث التي حلت بالمنطقة إثر تسلقهم على السيادة في عدة دول عربية، مثل مصر وتونس، والعبث الذي لحق بعدة دول أخرى جراء إجرام «الإخوان» والتنظيمات المنبثقة من رحمهم.
وتعاني الجماعة من تفكك وانقسامات داخلية تبلورت بجلاء خلال العامين الماضيين؛ ففي 2021 عانت الجماعة من صراعات داخلية زادت من أزمتها ووضعتها أمام خيارات مريرة يحكمها التشتتُ والانهيار والصراع بين جبهتين؛ إحداهما بقيادة إبراهيم منير القائم السابق بأعمال مرشد الجماعة من لندن (توفي هناك 4 نوفمبر 2022)، والثانية بقيادة محمود حسين من إسطنبول (القائم بأعمال مرشد الجماعة حالياً). وقد احتدم الصراع بعد ما أعلن محمود حسين وجبهتُه قرارَ عزل القائم بأعمال المرشد بعد أيام من قراره تحويل حسين وستة معه من قيادات مكتب الإرشاد للتحقيق، وفصلهم من مناصبهم وإلغاء منصب الأمين العام الذي كان يشغله حسين.
تمر جماعة «الإخوان» اليوم بمنعطف يَمس بقاءَها وينسف هيكلها التنظيمي نهائياً، ويتوقع مراقبون أن تحاول التحول إلى تيار عام لتفادي الاندثار النهائي والتلاشي، في محاولة لتجنب مزيد من الانقسامات الكبرى، والتي هي اليوم بمثابة نار تحت الرماد، خصوصاً بعد أن فشلت كافة مبادرات الصلح التي أطلقها قادة من الجماعة بغيةَ احتواء الأزمة ووقف التصعيد الداخلي بين الجبهتين، لكن دون جدوى، مما عمّق الانقسام داخل الجماعة بين مؤيدين ومعارضين، علاوة على آخرين جمَّدوا عضويتَهم، وغيرهم أعلنوا ترك الجماعة إلى الأبد بعد صدمتهم بالاتهامات القوية الموجهة للقيادات، بما في ذلك عمالتها لحكومات أجنبية واستيلاؤها على أموال الجماعة!

*كاتبة سعودية