أنقل مشهداً واحداً من مجلس الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم رحمه الله على شكل قلادة، أو عقد هو في القلب وحوله أنجاله الشيوخ وأرحامه وأقرباؤه وأنسابه، ثم الوزراء والمديرون والمسؤولون الذين يعملون تحت إمرته، وكبار الأعيان ورجال الأعمال والأطباء والمعلمون والمهندسون وشريحة من عامة الشعب.
وميزة هذا العِقد الفريد بأنه لم ينفرط، بانتقاله إلى رحمة الله الواسعة، لأن بقية حبات العقد تماسكت لتصبح قلباً واحداً وقالباً يتواصل نهج القلب الكبير، وسوف نحيا على مقامه وننهل من قامته. وتخرج الفرائد من هذا العقد المتكامل في شتى مجالات الحياة.
هنا حيث يكون الطرح شاملاً والقضايا متداخلة ومتشابكة، ولكن لم تكن شائكة عند سموه لفارق الخبرة والتجربة المبكرة في ممارسة شؤون الحكم مع الشأن العام.
أبدأ من قلب القلادة، الشيخ حمدان رحمه الله، فالقضية التي طرحت تتعلق بصناديق التنمية في بعض الدول التي تقدم المنح والمساعدات والقروض للمساهمة في بناء المشاريع التي تحتاج إلى دعم الأشقاء في مختلف الدول العربية والإسلامية. وكان رأيه يميل إلى عدم وضع تلك المعونات التنموية في يد الحكومات التي تتلقاها لأنها لا ينطبق عليها المقولة المعروفة: «اعط الخباز خبزه ولو أكل نصفه، لأن واقع البعض يشير إلى أنهم يأكلون الخبز كله ولا يتركوا للشعوب حتى الفتات». لذا كان لديه قناعة في التفكير بآلية مختلفة لبناء تلك المشاريع بصورة مباشرة عن طريق الدولة المانحة دون المرور على الإجراءات البيروقراطية، مع التعاون معها بالطبع..
هذه الرؤية التنموية الواقعية، وهذا التفكير العملي، أيضاً كان يمد مشاريعه الخيرية بالنماء، وهو مفهوم فلسفي ليس خاص بفعل الخير الوقتي، بل برعايته حتى ينضج ويؤتي ثماره ويستمر في مخرجاته.
هذا الفكر يرتقي بالأعمال التنموية وكذلك الخيرية إلى مستويات بعيدة عن مفاهيم سد الرمق أو رتق القطع، فهذا الفهم يخلق فرص عمل للجوعى، عن طريق وضع مفاتيح الأعمال بين أيديهم بدل المعونة النقدية.
بهذا التفكير، يتم الحفاظ على جميع أنواع المساعدات والمعونات والمنح وأيضاً القروض طويلة الأمد، من الهدر أو التسرب إلى أيادي العابثين بمقدرات الشعوب المحتاجة إلى مشاريع التنمية كحاجتها للغذاء والدواء والكساء.
ولم تكن أصداء مشهد «الربيع العربي» غائبة عن الحضور في مجلسه، ولكن ليس بالصورة المتداولة في الخارج حيث اللغط الذي لا طائل من ورائه.
منطلق هذا الموضوع كان في استفسار وجهه سموه إلى أحد اللبنانيين المقربين إليه، شو أخبار تشكيل الحكومة في لبنان؟!
فأجاب: مثل ما بتعرف سموك «عاطلة» من «حزب الله»، عقّب الشيخ بأن هذه الحزبية، ما وراها إلا الخراب والدمار، وهي رأس البلاء في الأمة العربية منذ عقود لم تجلب لنا إلا الخيبات والابتلاءات، التي تواصلت مع هذا الذي أطلقوا عليه «الربيع» ولا يحوي من الربيع شيئاً يُذكر.
فالربيع الحقيقي في التفاف الشعوب حول قياداتها، حتى تخضر قلوبهم قبل أراضيهم، وتنبت تنميةً في التعليم والصحة والبنية التحتية، والتقنية التي ترتقي بالأمم نحو التقدم السليم وفق خطط واستراتيجيات مرسومة خطواتها وخطوطها على أسس راقية لا يعطلها حزب وتستأثر بها طائفة على حساب أمن واستقرار الدول.

*كاتب إماراتي