كان هناك في المتوسط أكثر من حادث إطلاق نار في مدرسة أسبوعياً في الولايات المتحدة خلال الأشهر المنقضية من عام 2023، لذلك من الرائع أن نرى المشرعين من كلا الحزبين يتوصلون أخيراً إلى إجماع حول كيفية لحماية أطفال أميركا، أي حظر تطبيق التيك توك! يحذِّر السياسيون الأميركيون منذ سنوات من أن شركة «تيك توك»، المملوكة لشركة «بايت دانس» ByteDance الصينية، تسمح لبعض الجهات بالتجسس على الأميركيين أو تهديد أمنهم القومي.

بعد جلسة استماع في الكونجرس حول تحطم قطار الأسبوع الماضي، حيث هاجم المشرعون «شو تشو»، الرئيس التنفيذي لشركة تيك توك، بأسئلة قاسية، وأحياناً غير مفهومة، كانوا في كثير من الأحيان لا يسمحون له بالإجابة عنها، يبدو أكثر من أي وقت مضى أن التطبيق الأكثر تنزيلاً في العالم سينتهي به الأمر إلى الحظر في الولايات المتحدة (حتى لو عرقل السناتور راند بول جهود السناتور جوش هاولي لتسريع نسخته من الحظر).

وقد تكون هذه نتيجة قصوى: عدم إيجاد حل لمشكلة محفوفة بالمخاطر. مكاسب غير متوقعة لشركات التكنولوجيا الكبرى، مثل فيسبوك وجوجل، وانتهاك حقوق الملايين من الأميركيين في حرية التعبير، وضربة للقيم الأخلاقية الأميركية.

وحتى بالنسبة لأولئك المهتمين بنفوذ الشركة، فإن الحظر الخاص بتيك توك غير ضروري، لأن هناك طريقة أفضل بكثير لتنظيمه وتنظيم تطبيقات التواصل الاجتماعي الأخرى في الوقت نفسه: قوانين صارمة تحمي خصوصية جميع الأميركيين على الإنترنت من التطبيقات التي يتم إنشاؤها في كل مكان.

وتركيز المشرعين على ملكية الصين لتيك توك يغفل المشكلة الحقيقية في كيفية عمل الإنترنت، وهي مشكلة تتجاوز هذا التطبيق. تتمثل هذه المشكلة، كما أوضحت الصحفية جوليا أنجوين مؤخراً، في الكم الهائل من البيانات التي تجمعها عنا التطبيقات المدعومة بالإعلانات، أينما كانت، والطرق المخيفة والمبهمة التي تستخدم بها تلك البيانات للتلاعب بنا، وضعف القوانين التي تحمي معلوماتنا الخاصة من البيع أو السرقة من قبل أي شخص، بما في ذلك بعض الحكومات. وسيكون حظر تيك توك رداً على هذه الممارسات على مستوى الصناعة أشبه بالقول إنه نظراً لأن السيارات التي لا تحتوي على أحزمة أمان غير آمنة، يجب علينا حظر السيارات اليابانية والألمانية التي لا تحتوي على أحزمة أمان، لأنه يجب السماح للمنتجات الأميركية فقط بإلحاق الضرر بنا. ألن يكون طلب تثبيت أحزمة الأمان في جميع السيارات، بغض النظر عن ملكيتها، أكثر حكمةً؟

لستُ هنا للدفاع عن تيك توك، كما أنني لا أصدق نفي قول الشركة بأن عملياتها في الولايات المتحدة مستقلة تماماً عن الحكومة الصينية. لكن أليس من المفترض أن تكون حكومة الولايات المتحدة على دراية بما يحدث؟ في حالة حظر تيك توك، ألن يقوم المشرعون الأميركيون بوضع حل لإدارة الإنترنت مباشرة من دليل نقطة التحكم الحرجة «CCP» وتقييد وصول مواطنيها إلى المعلومات عن طريق حظر التطبيقات التي تعتبرها غير آمنة؟

كما أشار الباحث في التعديل الأول للدستور جميل جعفر مؤخراً، فإنه «لا جدال في أن مستخدمي تيك توك الأميركيين يمارسون حقوق التعديل الأول عندما ينشرون ويستهلكون المحتوى على المنصة». يجب أن تتطلب الرقابة على هذا النطاق إثباتاً قوياً للضرر، أي وقوع جرائم خطيرة ارتكبتها شركة تيك توك أو شركتها الأم، بما في ذلك الوصول إلى بيانات حول المستخدمين الأميركيين! لكن شركات التكنولوجيا الأخرى كانت متورطة في أشياء مشبوهة، فمثلاً تجسست شركة هوليت-باكارد لتكنولوجيا المعلومات على الصحفيين، وتسترت شركة «أوبر» على تسريب السجلات على 57 مليون مستخدم، وتظهر الوثائق أن الكثير من موظفي جوجل وصلوا بشكل خاطئ إلى بيانات المستخدمين.. والكونجرس لم يحظر أياً من هذه الشركات.

سأكون منفتحاً على حظر تيك توك إذا قدم مسؤولو الأمن القومي دليلاً شاملاً يوضح أن هذه الشركة تسهل لطرف ثالث الوصول إلى بيانات الأميركيين أو تسمح بتشكيل خوارزمية توصياتها من خلال الدعاية.. لكن المسؤولين لم يفعلوا. وبدلاً من ذلك، يشيرون إلى مثل هذه الأخطار كمجرد احتمال.

وهناك دليل يروي قصة مختلفة. وجد تقييم أمني لتيك توك أجراه مشروع إدارة الإنترنت التابع لشركة «جورجيا تك» أن التطبيق «لا يصدر الرقابة، لا بشكل مباشر عن طريق حظر المواد، ولا بشكل غير مباشر عبر خوارزمية التوصية الخاصة به». وخلصت مجموعة «سيتيزن لاب»، وهي مجموعة أبحاث تكنولوجية في جامعة تورنتو، في عام 2021، إلى أن «ميزات برنامج تيك توك ورمزه لا يشكلان تهديداً للأمن القومي».

وأشار الخبراءُ أيضاً إلى أنه لا توجد حكومة تحتاج إلى سلطات خاصة على تيك توك للتجسس على الأميركيين، لأن الإنترنت بأكمله يتجسس عليهم بالكفاءة نفسها، ويمكن الحصول على البيانات التي يتم جمعها بسهولة من قبل الكثير من المنظمات، بما في ذلك الحكومات.

وهناك مشاكل أخرى مع حظر تيك توك. لطالما تحدث المشرعون من كلا الحزبين عن قوة شركات التكنولوجيا الكبرى، وهم الآن يدركون أن تيك توك أكبر منافس حقيقي لهيمنة فيسبوك على وسائل التواصل الاجتماعي. هناك أفكار أفضل لحماية بياناتنا، إذ علينا أن نطالب شركات الإنترنت بتركيب ما يعادل أحزمة الأمان.

وقد دعت مؤسسة «إلكتريك فرونتيير» Electronic Frontier Foundation، وهي مجموعة للحقوق المدنية على الإنترنت، إلى قانون خصوصية فيدرالي يتطلب، من بين قواعد أخرى، من الشركات الحصولَ على إذن صريح من المستخدمين لجمع البيانات واستخدامها ومشاركتها، والسماح للناس برواية البيانات التي تمتلكها الشركات عنهم، وتسهيل قيام المستخدمين بمقاضاة الشركات التي تسيء استخدام بياناتهم.. دعونا ننقل معلوماتنا بين المنصات، ووضع تنظيم أكثر إحكاماً لصناعة «وسيط البيانات».

فرهاد مانجو*

*صحفي أميركي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»