ولد جيل من الناس بعد رحيل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لكنهم رأوا امتداده في أنجاله الماضين على خطاه في درب الخير «أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون» (المؤمنون الآية: 61). قال ابن عباس رضي الله عنه في معنى هذه الآية: سبقت لهم من الله السعادة.

ولذلك لا نستغرب من حجم العمل الإنساني المستدام الذي أنجزته وتنجزه دولة الإمارات لصالح الإنسان والإنسانية. ففي هذا العام (2023) وصل إفطار الصائم في الدولة إلى رقم ملياري، فقط خلال شهر مضان المبارك.

ووفقاً لبيانات حديثة صادرة عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي، فقد بلغ إجمالي قيمة المساعدات الخارجية التي قدمتها دولة الإمارات خلال الفترة منذ بداية عام 2021 وحتى منتصف أغسطس 2022 نحو 13 مليار درهم.

واستحوذ اليمن الشقيق على النصيب الأوفر من المساعدات الخارجية للدولة، بمبلغ إجمالي تجاوز المليار و160 مليون درهم، فيما ضمت القائمةُ عدداً من الدول العربية والآسيوية والأفريقية والغربية، في ترجمة واضحة لشمولية الدعم الإماراتي للمشاريع والاحتياجات الإنسانية حول العالم، والتي لا ترتبط بالتوجهات السياسية للدول المستفيدة منها، ولا بالبقعة الجغرافية أو العرق أو اللون أو الطائفة أو الديانة.

هذا التوجه القائم على عمومية الخير للبشرية جميعاً هو الذي أسس الشيخُ زايد بنيانَ الدولة عليه منذ كان حجم الموارد محدوداً. كان خير زايد عبر يده البيضاء يجتاز الجبال والقفار كي يصل إلى المستحقين ولو كانوا في أبعد الأدغال.

ومن ذلك، فقد كنا في زيارة رسمية إلى تايلاند، وكان من ضمن البرنامج زيارة المفتي هناك، وكان يسكن في منطقة غابات وأدغال نائية. ولدى وصولنا إلى منزله المتواضع، وبعد الترحيب بنا، طرح علينا سؤالاً واحداً لا غير: ماذا رأيتم في طريقكم إلي؟ قلنا: هيكل مبنى قيد البناء. فأجاب: هذا المبنى مسجد قيد الإنشاء من بياض يد زايد قد سبقكم حيث أنتم.. وها أنتم أبناؤه لا علم لكم بذلك، لقد سبقت يمينه شماله في الخير دون علم إحداهما الأخرى.

ويكتسب العملُ الإنسانيُ في الدولة تميزَه وريادتَه من عدة سمات، أبرزها أنه عمل مؤسسي تقوم على النهوض به العديدُ من الجهات الرسمية والأهلية والتي فاق عددها 43 مؤسسة وهيئة. ومن سماته أيضاً الشمولية، إذ لا يقتصر على تقديم المساعدات المادية، بل يمتد أيضاً إلى التحرك نحو مناطق الأزمات الإنسانية والتفاعل المباشر مع مشكلاتها، إضافةً إلى أنه يمثل أحد أبعاد السياسة الخارجية للدولة.

ولن نذهب بعيداً عن الزلزال الذي ضرب في الآونة الأخيرة كلاً من تركيا وسوريا، حيث أعلنت «قيادة العمليات المشتركة» في وزارة الدفاع، بتوجيهات من صاحب السمو رئيس الدولة، مباشرةً بعد وقوع الزلزال، بدء عملية «الفارس الشهم 2» لدعم الأشقاء والأصدقاء في سوريا وتركيا، بمشاركة القوات المسلحة ووزارة الداخلية، ووزارة الخارجية والتعاون الدولي، و«مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية»، و«مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية» و«الهلال الأحمر» الإماراتي.

وبلغت قيمة المساعدات التي أعلنت عنها الدولة للمتضررين من الزلزال لغاية 16 فبراير الماضي 177 مليون دولار أميركي (منها 20 مليون دولار كاستجابة لنداء الأمم المتحدة العاجل بشأن سوريا). وخصصت الإمارات 78 طائرةً لنقل المساعدات الإنسانية لكلا البلدين، ولا يزال مدد المساعدات الإماراتية متواصلاً بلا توقف.

*كاتب إماراتي