استوقفتني العبارة التي قالها الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت (المقارنة تسرق الفرح). بالنسبة لي أجد أن بعض المقارنات لا تؤتي أكلها، ومن بينها جعل المال معياراً للمقارنة بين المرء. وسواه علماً أن المال ليس هو أساس الحياة كلها. في المقابل أجد أن معيار تقييم المرء لذاته يجب أن يذهب إلى ما هو أبعد وأعمق من ذلك، كأن يكون العمل الصالح الذي لا مضرة فيه لا للنفس ولا للغير، أو احترام النفس بحيث لا نغرقها في تفاهات الأمور، وبالتالي يكون معيار التقييم قائماً على تحسين المرء لحياته، فينقلها من درجة السلبية إلى الإيجابية التي تعود عليه وعلى من حوله بالفائدة.
بالرغم من أن الحياة شاغلةُ البشر وتقسو بأحداثها على كثيرين لتفرض عليهم ما قد يفوق طاقتهم ودرجة احتمالهم، إلا أننا مع ذلك نجد أن البعض يصبرون على ما هم فيه ويشيعون التفاؤل والأمل والبسمة في محيطهم، فيما يذهب البعض الآخر – وهم ليسوا قلة – إلى ما يشقيهم تفكيراً وتصرفاً، فيسيئون لأنفسهم قبل أن يسيئوا لسواهم، وهؤلاء لا يمكنهم الفرار من أجواء السلبية التي يعيشون فيها ويكادوا يفرضونها على من حولهم. ولأن الإنسان يتأثر بالمحيط الذي يعيش فيه فلا شك أن يكون له نصيب منه وبالتالي قد يتطبع بِسِمَة التفاؤل، أو أنه قد ينهل ما لا يشتهي من جرعة السلبية التي من شأنها أن تقود روحه إلى الاحتراق.
في الصحة النفسية يركز الأطباء والباحثون على ضرورة أن يفكر الإنسان في طريقة عيشه، وأن يحاول قدر المستطاع التخلص مما تركت فيه التجارب والمحن من آثار مدمرة لأن في ذلك جانباً من خلاصه - ولو جزئياً - من التعاسة التي يعيشها.
لكن ليس من السهل على الإطلاق استبدال المرء تعاسته بالفرح، لأن المسألة لا تحتاج فقط إلى قرار، بل تحتاج كذلك إلى من يساعده في خوض «معركة» مع النفس أولاً، ومن ثم تمكينه من اتخاذ خطوة جريئة وجادة نحو تغيير ما هو فيه وعليه.
من المهم أن يفكر الإنسان بحياته، وما نقاط القوة التي يملكها والتي عليه تعظيمها، وأين تكمن نقاط ضعفه وكيف يمكنه التغلب عليها أو تحجيم أثرها عليه. علماء النفس في عصرنا هذا لم يعودوا يؤمنون بأن الصحة النفسية تعني تجنب الأمور السلبية، لأنها ستحدث شئنا أم أبينا، لكنهم في المقابل يدعوننا لأن نتعامل مع الحياة كما ينبغي، فلا نكون ضعفاء ننكسر بسهولة، وأن نتمسك بمعرفة ذواتنا ونكون صادقين في مشاعرنا، وأن نعيش الفرح حتى في أبسط أشكاله، ونقترب من الأشخاص الذي نشعر معهم بالراحة ونسعد ونأنس بوجودنا إلى جانبهم.
في عصرنا هذا الكثير من الآفات الاجتماعية التي تحيق بنا، أما التفاهات فتكاد تفرض حضورها حتى على العلاقات الإنسانية، وليس لنا مهرب من كل ذلك إلا بالارتقاء بذواتنا أكثر، وتحصينها من كل ما يمكن يُضر بها، وهذا بالطبع لن يتأتّى لنا بسهولة، لكن ربما تكون القراءة وسيلتنا، أو انشغالنا بالعمل، وقد يكون العمل التطوعي قادراً على إكسابنا بعض ما نحن بحاجة إليه من سكينة وطمأنينة، ويبقى وجود الصاحب الصادق الذي لا يخون عهداً داعماً. فإن تمكنّا من الجمع بين كل تلك الأمور فلا شك أن حياتنا تصبح أفضل وأكثر توازناً.
دَوِّر الغالي واسْفه للرخيص خلّْ كفَّك للغوالي طايله
من يخونك ليس عَالخُوَّه حريص ومن يبيع مْخَوِّتَك لا تجامله
وسرك احفظ فالصدر تحت القميص بين دمّك وانتبه لِمْعامله