أفريقيا قبلة السياسيين وكعكة المتنافسين في النظام العالمي الجديد، هذا ما فهمه الصينيون والروس والهنود مبكراً. وأميركا تسارع الخطوات للحاق بركبهم بكل الطرق الممكنة ومهما كلّف الثمن. ومن جانبهم، خسر الأوروبيون تواجدهم في القارة ولم تعد فرنسا التي كانت يوماً بمثابة الأب الروحي لأفريقيا مرحباً بها في القارة.
ومن بين كل المتنافسين على الثروات الأفريقية ودورها المحوري المتوقع في رسم خارطة عالمية تقل فيها أهمية الحدود السياسية مقابل الحدود الاقتصادية والافتراضية، يبرز الدب الروسي التي تعود علاقته بأفريقيا إلى الحقبة السوفييتية عندما دعمت موسكو الحكومات التي فرضت عليها عقوبات دولية، والتي كانت متعاطفة مع النهج الشيوعي وحركات الاستقلال، واستمرت في السنوات الأخيرة حيث أصبحت روسيا وشركائها من كبار المستثمرين في أفريقيا وأكبر موّرد للأسلحة في القارة، وكانت مساعيها للتأثير الجيوسياسي قد بدأت بشكل جدّي منذ حوالي خمس سنوات عندما بدأت شركة «فاغنر» الأمنية بقيادة «بريغوزين» بالظهور في بعض أكثر زوايا القارة اضطراباً، ونجحت في التسويق للدبلوماسية الروسية في القارة كدبلوماسية شراكة وتمكين.
فهل كانت الحرب الأوكرانية هدف روسيا وحلفائها الأكبر؟ أم أن الجائزة الكبرى كانت القارة الأفريقية؟ بعد محاصرة أميركا في أفريقيا والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وفي تايوان، ومن شرق القارة الآسيوية إلى أميركا الجنوبية، وفي المحيط الهادئ وفي بحر قزوين، وجعل أوروبا قارة بخيارات محدودة، والتعامل بالعملات الوطنية المادية والرقمية في التبادلات التجارية، وبالتالي تمهيد الأرضية الصلبة لإسقاط الدولار واقامة نظام عالمي أكثر توازناً، وإيقاع أميركا في المحظور والقيام بتحركات عسكرية كبرى يصاحبها عودة مكانة وكالة المخابرات المركزية الأميركية العالمية، والتي ستعود بقوة لتغيير خارطة العالم السياسية. 
وبدوره امتد الجهد الروسي عبر القارة الأفريقية إلى جانب التوسع الصيني الاقتصادي، والذي لن تقف الصين معه إلى هذا الحد، ولا بد من التواجد العسكري كخطوة قادمة شبه مؤكدة للحفاظ على مصالحها في العالم، وهو ما يفسر التحرّك الروسي في أفريقيا حيث يقاتل مقاتلو «فاغنر» المتمردين الإسلاميين في مالي،  كما ويقومون باستخراج الذهب في العديد من البلدان بما في ذلك بعض الدول الأفريقية العربية، والاستفادة من منابع الإستياء ضد فرنسا في القارة، ولربما أدى وصول جماعة «فاغنر» الروسية إلى انسحاب الجيش الفرنسي من عدة دول، وإنهاء فرنسا رسمياً عملية «برخان» وهي حملتها العسكرية التي استمرت لسنوات ضد المتمردين الإسلاميين في منطقة الساحل، والتي شملت في ذروتها قوات من خمس دول أفريقية هي الآن في المدار الروسي – الصيني.
كما عطلّت حرب روسيا وأوكرانيا سلاسل التوريد وقطعت الوصول إلى القمح والأسمدة بأسعار معقولة من منطقة البحر الأسود، مما أدى إلى تفاقم أزمات الغذاء والطاقة وسلاسل التوريد للسلع الحيوية في البلدان الأفريقية، ولن تثبط الحرب في أوكرانيا اندفاع روسيا نحو أفريقيا وتواجد مجموعة «فاغنر» في دول مثل إريتريا، مما يشير إلى رغبة روسيا في فرض تواجدها من الساحل إلى الساحل ومن المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، بينما الانقسام في الدول الأفريقية في موقفها من الصراع الروسي - الأوكراني مستمر، حيث أدانت في تصويت حديث في الأمم المتحدة 30 دولة أفريقية التدخل الروسي واختارت 22 دولة الامتناع عن التصويت، حيث شكلّت الدول الأفريقية ما يقرب من نصف مجموع الدول الممتنعة عن التصويت. 

وعلى الرغم من زيادة المشاركة والزيارات من كبار المسؤولين من الدول الغربية للقارة الأفريقية والوعود العديدة بمد يد العون والمساعدة، ولكن كل ذلك لم يغيّر حقيقة أن الدب الروسي أجهز على التسلط الغربي في أفريقيا وولادة أفريقيا جديدة سيزداد الانقسام فيها، وهو ما يفسر قيام جنوب أفريقيا باستضافة تدريبات عسكرية لمدة 10 أيام مع الصين وروسيا، وكان توقيتها متزامناً مع الذكرى السنوية الأولى للتدخل الروسي في أوكرانيا.


* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات