بدايةً، نعي جميعاً أنه كما أن للإرهاب آثاره التدميرية والكارثية على العالم، فإن البعض طوعه خدمة لمصالحه السياسية، حتى وإن كان من خلال التغاضي ومواربة الأبواب وتجاهل بعض أشكال الإرهاب وممارساته وطوامه، كما حدث مع تنظيم «داعش» لأكثر من عقد من الزمن.. أي كمن يُحكِم رباط الوحش أحياناً ويرخيه أحياناً أخرى تبعاً لمتطلبات المصلحة ومخاطر المرحلة وتوزيع الذعر، وهي في نهاية الأمر سياسة «صناعة البعبع» أو ترويضه بحسب الحاجة.

وتخوض الصومال اليوم، على سبيل المثال، حرباً مكثفة ضد الإرهاب الذي أنشب أظافره في البلاد منذ عقدين، أي منذ أن برزت «حركة الشباب» الموالية لتنظيم «القاعدة» الإرهابي أو «فلول ميليشيات الخوارج الإرهابية»، وهي التسمية التي تطلقها السلطات الرسمية الصومالية على حركة الشباب.

ومنذ يوليو الماضي يشن الجيش الصومالي، بالتعاون مع مسلحي العشائر، عملياتٍ عسكريةً لتحرير مناطق وسط البلاد من عناصر حركة الشباب الإرهابية، وهو ما أدى إلى نزوح أكثر من 80 ألف شخص من منطقة لاسعنود إثر الاشتباكات الدائرة لتطهيرها، وبعد إضرام النيران في منازل مدنيين بمنطقة هولدويالي الواقعة وسط الصومال.

الإرهاب قضية كبرى تهدد الأمن والسلم العالميين وتستنزف الأرواحَ والأموالَ لمحاربتها أو محاصرتها، وما تقوم به الحكومة الصومالية اليوم من جهود لدحر الإرهاب يعد مرحلةً مفصلية بعد تولي الرئيس حسن شيخ محمود منصبه في مايو الماضي، إذ وضع القضاءَ على الإرهاب على رأس أولوياته، وأصدر استراتيجيةً جديدةً بدأت بإطلاق المركز الوطني لمكافحة الفكر المتطرف «وانو» كأول مركز قومي من نوعه لمكافحة التطرف فكرياً، وفتح جبهات في مجالات الفكر والمال والحسم العسكري ومحاربة الفكر المؤدي للإرهاب، وحشد العشائر الصومالية ضد حركة الشباب، وتعيين مبعوث رئاسي لمحاربة التطرف فكرياً، ومبعوثاً آخر لحماية المدنيين وتعزيز الاستقرار.. وكل ذلك لتعزيز الوعي المجتمعي بخطورة الإرهاب، وضرورة التخلص منه.

الإرهاب معركة فكرية قبل أن يكون معركةً ميدانيةً على أرض الواقع، فتفجير الأحياء والأرواح يمر بمرحلة تفخيخ العقول وتدجينها بالشر والقتل، الأمر الذي أدركته دولُنا في الخليج العربي مبكراً، وبذلك قطعت دابرَ الإرهاب واجتثت مسبباتِه بالعمل على الإنسان وإعداده ليكون وسيلةَ بناء لا معول هدم، فساهمت بجلب مصادر التعليم الحديث، وذللت مسارات البحث العلمي وصناعة القيادات والعقول المنتجة والواعدة بكفاءات عالية، فأصبحنا اليوم في الخليج نلامس المجرات ونبتعث شبابنا وبناتنا في رحلات الفضاء واكتشاف الأفلاك والكواكب والانشغال بالاختراعات العلمية والتنافسية العالمية.. لتتبوأ دولُنا المراكزَ المتقدمةَ عالمياً في مجالات التكنولوجيا والبحث العلمي. الإرهاب قضية جوهرية وأزمة عالمية لن تنتهي طالما توفرت لها حاضنات على هذا الكوكب، وثمة مئات الأسباب لانبعاثه مجدداً وفي أي قطر حول العالم.

وقد أصدر معهد الاقتصاد والسلام IEP تقريرَه السنوي عن مؤشر الإرهاب عالمياً لهذا العام 2023 وجاء وفي التقرير أن العالَمَ شهد نحو 66 ألف حادث إرهابي خلال الفترة من 2007 إلى 2022، وأن منطقة الساحل الأفريقي منطقة ارتكاز رئيسية للأعمال الإرهابية خلال عام 2022، بينما سجلت منطقة الشرق الأوسط تراجعاً كبيراً للأنشطة والأعمال الإرهابية.

*كاتبة سعودية