دخل مسيحي في دولة عربية مسلمة إلى إحدى المؤسسات لتخليص معاملة له في شهر رمضان المبارك، فلم يجد للصيام أثراً يُذكر على سلوك الموظف، فأخذ يحتج بصومه على أخطائه وضيق خلقه مع المتعاملين واستعجال الناس بلا مبرر لأن ساعة الدوام على وشك الانتهاء. ويعلق هذا المسيحيُّ على هذا الموقف بقوله: هذا المسلم ظاهره صائم وباطنه شبع فِطراً، فلم يعكس هذه العبادةَ تعاملهُ الجاف والبارد مع الناس. 
وقد وصف الدكتور مصطفي محمود هذه الحالة المشوِّهة لصورة الإسلام من بني جلدته وأتباعه، قائلاً: لا تتوهم أن الدِّين هو أن تصلي وتصوم وتقرأ القرآن وتزكي وتحج وتنطق الشهادة.. وانتهى الأمر، فهذه «عبادات شعائرية»، وهي فرائض ستحاسب عليها، لكنك لن تقطف ثمارَها ولن تحقق أهدافَها إلا إذا صحَّت «عبادتك التعاملية». بمعنى أن «عبادتك الشعائرية» لن تصح إذا ظَلمتَ وقصَّرتَ وتهاونتَ وآذيت وكذبت وشتمت.. فانتماؤك الشكلي إلى الدين هو بينك وبين الله، أي أنه لا يكفي أن تضع صورةَ للكعبة في صدر بيتك، أو أن مصحفاً في سيارتك، أو آية قرآنية على حائط محلك، أو مسبحة في يدك، أو أن تذهب للعمرة ثلاثين مرة، أو أن تقف على سجادة الصلاة 70 ألف مرة.. فكل ذلك لا يكفي.
الدين هو: استقامتك، ومعاملتك، ورحمتك، وصدقك، وعدلك، وتربيتك لأولادك، وبرك لوالديك، وإحسانك لزوجك أو زوجتك، وحفظك للسانك، وغضك بصرك، ونظافتك مظهراً ومخبراً، وحسن تعاملك مع الآخرين.
الدين كله خُلُقٌ، وقد قال نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً». كما لخص عليه الصلاة والسلام الدين في كلمة واحدة جامعة مانعة: «الدين المعاملة».
الإسلام عقيدة وعبادة ومعاملة، وهي أبعاد ثلاثة يرتكز عليها الدين، البعد الأول يتطلب التوحيد وعدم الشرك، وهو من متعلقات القلب، والبعد الثاني مرتبط بذات الفرد وما يؤديه من طقوس شعائرية، أما البعد الثالث فيعنى بالجوانب الحضارية، وهي تلمس البشرية كلها وتحتوي جميع الأجناس والأعراق والأديان تحت ظلالها وفي كنف عدالتها. فالبعدان الأول والثاني لا يأخذان من وقت الفرد المسلم إلا دقائق معدودات، أما البعد الثالث، وهو جانب المعاملات، فهو الذي تؤسس من خلاله الحضارات كلها، وفيه يكمن التحدي الأكبر أمام العالم الأوسع، وهو يأخذ من الفرد كل عمره ووقته، وهو الجانب الظاهر من دينه أمام الكل.. خلافاً للبعدين الأول والثاني؛ إذ هما بين العبد وربه. 
البعد الثالث في الإسلام يشمل 90% من الدين، وهو الاختبار الفعلي للمسلمين، إذ يوضح حقيقةَ وصدق إيمانهم، وإلا دخلوا في المحظور الرباني «لم تقولون ما لا تفعلون»، كما يصبحون تحت طائلة التساؤل القرآني العظيم: «أفلا تعقلون»؟ لأن العقل والتعقل من أقوى أدوات اليقين بما نؤمن. 
كنت في الحج ذات مرة، فدخل علينا رجل ونحن بخيمتنا في مِنى، وكان كالثور الهائج يريد الاعتداء على زميل له، لولا أن صدَّه الآخرون.. فأين موقع هذا التصرف من الآية الكريمة «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج»؟ ظاهر ذلك الشخص أنه «حجي»، لكن باطنه مليء بما لا يقره الحج.. وقس على ذلك بقية التصرفات اليومية.

*كاتب إماراتي