في ظل الظروف الراهنة، ووجود تضخم كبير يلوح في أفق رأس المال المغامر، وحيث يقول صندوق النقد الدولي: إن النمو الاقتصادي العالمي لن يتجاوز 3% في 5 أعوام، فيما يتحول مركز الثقل في صناعة الرقائق على حساب تايوان والصين، وترتفع حالات الإفلاس في ألمانيا بنسبة 24% جراء تراجع الإنتاج والطلبيات الجديدة.. أجد أن المتظاهرين في فرنسا يؤكدون أنهم لا يعيشون معنا على هذا الكوكب، حيث تظاهر العديد من المحتجين ضد إصلاح نظام التقاعد متمثلاً في قيام الحكومة بإطلاق مشروع قانون لرفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، وهو أمر لم يلق قبولاً من قطاعات واسعة في الشعب الفرنسي، فظهر في الشارع من يطالب بعدم تطبيق هذا المشروع.
ويبدو الشعب الفرنسي مدللاً أكثر مما يجب، ولعلهم لا يعلمون أن العديد من أفراد الشعوب العربية يجدون التقاعد في عمر الستين أمراً مُريعاً، وهو أقرب إلى الإهانة لأنهم فقط وصلوا لعمر الستين عاماً في حين أنهم يجدون أنفسهم قادرين على العمل بعد عمر الستين، وإن من الخطأ أن يكونوا بهذه الخبرة الطويلة، وعليهم أن يتركوا أعمالهم ومكاتبهم فقط لأنهم أصبحوا في الستين!
هذا التناقض الغريب جداً، يجعلني أصدق ما قاله الجرسون العربي العامل في أحد مقاهي باريس من أن على الشعب الفرنسي أن يفخر بما وصل إليه، من خلال تمكين الإدارة السياسية واهتمامها بشعبها بشكل ملتزم. لكن الشعب يرفض مشروع إصلاح نظام التقاعد الذي وضعه وصاغه ماكرون وقدمه للبرلمان في مارس الماضي، وخرج الكثيرون في تظاهرات تطالب بإلغائه، ولم تفلح النقاشات الطويلة تحت قبة الجمعية الوطنية في تهدئة المحتجين. 
لقد بات أهم مشروع للرئيس ماكرون في ولايته الرئاسية الثانية، أي إصلاح نظام التقاعد، على سكة التطبيق بعد إقراره في الـ20 مارس من مارس الماضي، حيث اختارت الحكومة في نهاية المطاف تمريره من دون تصويت، ولم تتراجع المعارضة والنقابات التي تطالب بسحبه، حتى عاد المتظاهرون في تعبئة جديدة في 28 مارس وسط جو محموم ومتوتر.
ورغم كل شيء فإن رئيساً منتخباً بأغلبية مطلقة، له كامل الحق في السعي إلى تطبيق مشروع قانون عرضه على البرلمان والرأي العام بطريقة ديمقراطية.. لذا فإن ما يحدث في فرنسا لا يمكن وصفه بأنه «أزمة ديمقراطية». ومن وجهة نظري الشخصية، فإنه من الجيد رفع سن التقاعد، وإذا كان الأمر غير مقبول لدى البعض في فرنسا، فسيكون من الجيد تطبيقه في العالم العربي، ذلك أن الآباء العاملين والموظفين، محاسبين وأطباء ومعلمين، كلهم بحاجة إلى الراتب الشهري دون أن ينقص منه فلساً واحداً، وكثيرون يرون أن سن الستين يعد متوسط العمر، وأن المرء في هذه السن لديه القدرة على العمل ونقل الخبرات العملية والفنية للجيل القادم. 
أما الفرنسيون المعارضون لإصلاح نظام التقاعد، فيعلقون آمالهم على القرار المتوقع صدوره اليوم (14 ابريل) من المجلس الدستوري، بشأن دستورية مشروع القانون، إذ قد يقبله وقد يرفضه وقد يعدّله جزئياً.