عندما وضعت «المؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع» يدَها على «بنك سيليكون فالي»، اجتاحت بعض من أشهر أصوات عالم الشركات الناشئة، أو على الأقل أشرس أصواتها على «الإنترنت» (وعدد منهم من المستثمرين أصحاب رؤوس الأموال المخاطِرة أو المغامِرة)، منصةَ «تويتر» مناديةً بإنقاذ فيدرالي كامل لعملاء «بنك سيليكون فالي».

وبغض النظر عن المسوغات الاقتصادية لتعويض مودعي البنك، إلا أن خطاب أصحاب رؤوس الأموال المخاطرة الهستيري بدا غنيّاً بعض الشيء. ذلك أن بعض أكثر الناس توقاً لتدخل حكومي في «بنك سيليكون فالي»، مثل ديفيد ساكس من مؤسسة «كرافت فانتشرز»، كانوا يميلون في كثير من الأحيان إلى الليبرتارية (تعظيم الحقوق الفردية وتقليل دور الدولة) أوقات الرخاء من النوع الذي يتبناه بيتر ثيل. غير أنه حينما تكون أموال قطاعهم هي التي على المحك، فيبدو أن الذراع الطويلة للحكومة تبدو مريحةً أكثر.

وفي مقال له بمجلة «سليت»، حاجج إدوراد أونجويزو جونيور بأن «نوبة غضبهم» في تويتر بسبب «بنك سيليكون فالي» تعطي «لمحة عن مدى تهور أصحاب رؤوس الأموال المخاطِرة في السعي وراء شيء يريدونه، طالما أنه لا يحمل أي خطر بالنسبة لهم».

وينسج أونجويزو من تغريدات أصحاب رؤوس الأموال المخاطرة حول انهيار البنك لائحة اتهام لكل أعمال أصحاب رؤوس الأموال المخاطرة، مشككاً في جدواها وفائدتها بالنسبة للاقتصاد والمجتمع الأميركيين. وكما يقول أونجويزو ومنتقدون آخرون، فإنه قطاع يزعم تشجيع الابتكار ولكنه يميل إلى الاشتغال كشبكة أشبه بنادٍ خاص برجال بيض يميلون إلى الرهان على أفكار متشابهة على نحو شبيه بتصرف القطيع. كما أنه قطاع يدعم في كثير من الأحيان شركات تفيد البعض، ولكنه نادراً ما يولي الأولويةَ للمنفعة الاجتماعية والاقتصادية الواسعة. وعلاوة على ذلك، فإنه نمّا ثرواته في أرضية خصبة على نحو غير معتاد: أكثر من عقد من معدلات الفائدة المنخفضة التي مكنت من إرسال مئات المليارات من الأموال السهلة إلى خزائن أصحاب رؤوس الأموال المخاطِرة. وهو ما أردُّ عليه بالتالي: أجل، لكن ليس كل أصحاب رؤوس الأموال المخاطِرة، وليس في كل الأحوال. والحق أن أونجويزو ومنتقدي «سيليكون فالي» الآخرين ليسوا مخطئين تماماً، غير أن ثمة خطراً في المبالغة في شيطنة آلية «سيليكون فالي» بناءً على شخصياتها الأكثر صخبا في أكثر أوقاتها صعوبةً.

ولئن كان هناك الكثير من العيوب في نموذج المستثمرين أصحاب رؤوس الأموال المخاطِرة، فإنني أتساءل في الوقت نفسه ما إن كان يشبه قليلا الديمقراطية المنسوبة إلى تشرشل، فربما تكون «سيليكون فالي» أسوأ طريقة لتمويل الاختراعات الجديدة باستثناء كل الطرق الأخرى. وعلى كل حال، فعلى الرغم من كل عيوبها فإن «سيليكون فالي» كانت على مدى عقود من بين أثمن الأصول الاقتصادية للبلاد، فإلى جانب تمويل الأبحاث وإعانات أخرى تقدمها الحكومة، فإنها تُعد واحداً من الأسباب الرئيسية التي تجعل الولايات المتحدة تحافظ على تفوق تكنولوجي عالمي.

كما أنها ابتكرت اختراعات حقيقية حسّنت حياتنا، ومن «زوم» إلى «سلاك» وحتى إلى شركات مثل «دورداش»، تم إنشاء كل جهاز العمل في البيت الذي دعم جزءاً كبيراً من الاقتصاد خلال فترة الوباء بفضل الرأسمال المخاطِر. وإذا كان الأميركيون ربما تعبوا من التكنولوجيا، فإنهم لا يستطيعون التخلص من حاجتهم إلى الأشياء الجديدة. ولمعالجة بعض من أكبر التحديات التي تواجه البشرية، ولعل أكثرَها استعجالا تَغيّر المناخ، سنحتاج إلى مستثمرين من أصحاب رؤوس الأموال المخاطرة لتمويل أحسن الأفكار وأخطرها. ثم إن شركات رؤوس الأموال المخاطِرة هي التي تموّل الأبحاث في بطاريات الجيل المقبل، وأشكال جديدة من الطاقة، وطرق أخرى للتخفيف من أسوء تأثيرات الاحتباس الحراري.

يمكنك أن تصفها بأنها أشبه بنادٍ خاص وبأن سلوكها أشبه بسلوك القطيع، لكن يمكنك أيضاً أن تسمي ذلك سر نجاح «السيليكون فالي»، إذ أن أحد أسباب نجاح «السيليكون فالي» هو أنها تجمع الخبرة والمعرفة المؤسسية، وتتعلم من الإخفاقات، وتنقل تلك الأفكار للأجيال المقبلة من الشركات. وهذا النوع من التوجيه هو بالضبط ما يجعل العديدَ من الشركات الناشئة تنجو من انهيار بنكها على الأرجح. جيسيكا ليسن، مؤسسة ورئيسية «ذي إنفورميشن»، وهي مطبوعة تغطّي عالَم الشركات الناشئة (وهي نفسها شركة ناشئة كانت أموالها مودعة في «بنك سيليكون فالي»)، أشارت إلى شيء لاحظه الكثيرون هنا: إن «السيليكون فالي» باتت تواجه الآن مراقبة وتدقيقاً أكثر جدية من ذي قبل، ويبدو بالفعل أنها تتعلم من أخطائها.

وشخصياً، فوجئتُ بكيف كان سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» التي اخترعت «تشات جي بي تي»، أكثر حذراً بكثير حين تحدث عن الذكاء الاصطناعي، وذلك مقارنةً مع مارك زوكربرج حين كان يتحدث عن الشبكات الاجتماعية في بداية ظهور «فيسبوك». ذلك أن زوكربرج روّج لاختراعه باعتباره مفيداً للبشرية من دون شك.

وبالمقابل، قال ألتمان إنه إذا كان الذكاء الاصطناعي يمثّل منعطفاً، فإنه «يشعر ببعض الخوف» من إمكانية أن يُساء استخدامه من قبل حكومات معينة ومن أن أن يؤثر في السياسة والاقتصاد، وإن شركته تضع ذلك التخوف نصبَ عينيها أثناء تطوير تقنيتها. وتقول ليسن: «كانت هناك فترة قبل نحو 10 سنوات لم يكن فيها قطاع التكنولوجيا يخضع لأي فحص أو تدقيق، وكان كل شيء ممتازاً». لكننا اليوم «تجاوزنا الأيامَ التي كنا نحتفي فيها بكل شيء جديد لديه تطبيق»، تضيف ليسن، لافتةً إلى أن الأهم الآن هو التركيز على المشاكل الحقيقية. ورؤوس الأموال المخاطرة قد تساعد على حلها.

*كاتب وصحفي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»