•    من الوصايا في باب الحذر من الأعداء الحُسَّد، قول أعرابيٍّ يعِظ رجلاً: «ويحك، إنَّ فُلاناً وإن ضحك إليك، فإنّه يضحكُ منك، ولَئِنْ أظهرَ الشفقة عليك، إنّ عقاربَه لَتسرِي إليك، فإنْ لم تتخذْه عَدوَّاً في علانيَّتِك فلا تجعلْه صديقاً في سريرتك».

•    وحذَّر بعض الحكماء صديقاً له، صحِبَه رجلٌ، فقال: احذر فلاناً، فإنّه كثيرُ المسألة، حسنُ البحث، لطيفُ الاستدراج، يحفَظُ أولَ كلامِك على آخِره، ويعتبر ما أخَّرْتَ بما قدَّمت، فلا تُظهُرِنَّ له المخافةَ فيرى أنك قد تحرَّزت. واعلم أن من يقظة الفطنة إظهارَ الغفلةِ مع شدّة الحذر. فباثِّه مباثَّةَ الآمِنِ، وتحفّظ منه تحفُّظَ الخائِف. فإنَّ البحثَ يُظهر الخفيَّ الباطن، ويبدي المستكنَّ الكامن.

•    أوصى الْعَبَّاس بن مُحَمَّد معلم وَلَده، فَقَالَ: إِنِّي قد كفيتك أعراقهم، فَاكْفِنِي آدابهم. أغذِهِم بالحكمة فَإِنَّهَا ربيع الْقُلُوب، وعلمهم النّسَب وَالْخَبَر، فَإِنَّهُ أفضل علم الْمُلُوك، وابدأهم بِكِتَاب الله، فَإِنَّهُ قد خصهم ذكره، وعمهم رشده، وَكفى بِالْمَرْءِ جهلاً أَن يجهل فضلاً عَنهُ آخذ. وخذهم بالإعراب، فَإِنَّهُ مدرجة الْبَيَان، وفقههم فِي الْحَلَال وَالْحرَام، فَإِنَّهُ حارسٌ من أَن يُظلموا، ومانع من أَن يَظلموا.

•    قَالُوا: إِذا قَصُرَت يَدُكَ عَن الْمُكَافَأَة، فَليَطُل لِسَانُك بالشكر.

•    قَالَ بَعضهم: كن إِلَى الِاسْتِمَاع أسْرع مِنْك إِلَى القَوْل، وَمن خطأ القَوْل أَشد حذراً من خطأ السُّكُوت.

•    قَالَ بكر بن عبدالله الْمُزنِيّ: اجتهدوا بِالْعَمَلِ، فَإِن قصر بكم ضعف، فكفوا عَن الْمعاصِي.

•    وَقَالَ بَعضهم: من لم ينشط بحديثك، فارفع عَنهُ مؤونة الِاسْتِمَاع مِنْك.

•    قَالُوا: من ثَقُلَ عَلَيْكَ بِنَفسِهِ، وغَمَّكَ فِي سُؤَالِه، فَأَلزِمهُ أُذناً صماء، وعيناً عمياء.

•    قَالَ عبد الله بن شَدَّاد: أرى دَاعِي الْمَوْت لَا يقْلع، وَأرى من مضى لَا يرجع. وَلَا تزهدن فِي مَعْرُوف، فَإِن الدَّهْر ذُو صروف، فكم من رَاغِب قد كَانَ مرغوباً إِلَيْهِ. وطالب أصبح مَطْلُوباً إِلَيْهِ، وَالزَّمَان ذُو ألوان، وَمن يصحب الزَّمَان ير الهوان، وَإِن غلبت يَوْماً على المَال فَلَا تغلبن على الْحِيلَة على كل حَال. وَكن أحسن مَا تكون فِي الظَّاهِر حَالاً، أقل مَا تكون فِي الْبَاطِن مَالاً.

•    قَالُوا: اطْلُبُوا الْمَعيشَة، فَإِن الْفقر أول مَا يبْدَأ بدين الْإِنْسَان. إِذا خالطت فخالط حَسَنَ الْخُلق، فَإِنَّهُ لَا يَدْعُو إِلَّا إِلَى خير، وَلَا تخالط سيئ الْخلق، فَإِنَّهُ لَا يَدْعُو إِلَّا إِلَى شَرّ.

•    قَالَ ابْن السماك: خف الله حَتَّى كَأَنَّك لم تطعه، وَأَرْجُو الله حَتَّى كَأَنَّك لم تعصه. •    قَالَ رجل لآخر: كَيفَ أسلم على الإخوان؟ فَقَالَ: لَا تبلغ بهم النِّفَاق وَلَا تقصر بهم عَن الاستحقاق.

•    قَالَ بعض الْعَرَب: انصح لكل مستشر، وَلَا تستشر إِلَّا الناصح اللبيب. استشر عَدوك تعرف مِقْدَار عداوته. لَا تشَاور إِلَّا الحازم غير الحسود، واللبيب غير الحقود.

•    قَالَ زِيَاد بن أبي حسان: لَا تطلب من نَفسك الْعَام مَا عَوَّدَتكَ عَام أول.

•    وأوصى الْحَارِث بن كَعْب بنيه، فَقَالَ: يَا بني، قد أَتَت عَليّ مائَة وَسِتُّونَ سنة مَا صافحت يَمِيني يَمِين غادر، وَلَا قنعت نَفسِي بخلة فَاجر، وَلَا صبوت بابنة عَم وَلَا كنة، وَلَا بحت لصديق عَليّ بسر. وَلَا طرحت عِنْدِي مومسة قناعها، وَلَا بَقِي على دين عِيسَى بن مَرْيَم أحد من الْعَرَب غَيْرِي وَغير تَمِيم بن مرّة، وَأسد بن خُزَيْمَة، فموتوا على شريعتي، واحفظوا وصيتي، إِلَهكُم فاتقوه، يكفكم المهم من أُمُوركُم، وَيصْلح لكم حالكم، وَإِيَّاكُم وَالْمَعْصِيَة، يحل بكم الدمار ويوحش مِنْكُم الديار، وَكَونُوا جَمِيعًا، وَلَا تفَرقُوا فتكونوا شيعًا، بزوا قبل أَن تبزوا، فموت فِي عز، خير من حياةٍ فِي ذل وَعجز، فَكل مَا هُوَ كَائِن كَائِن، وكل جمع إِلَى تبَاين، والدهر صرفان: صرف بلاءٍ وَصرف رخاء. وَالْيَوْم يَوْمَانِ: يَوْم حبرَة وَيَوْم عِبْرَة، وَالنَّاس رجلَانِ: رجل مَعَك، وَرجل عَلَيْك.

*السفير السعودي لدى الإمارات.