عندما أدّت اليمينَ الدستورية في أكتوبر الماضي، كان هناك سؤال حول جورجيا ميلوني – التي تُعد أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في إيطاليا وأكثر زعيمة يمينيةً منذ الحرب العالمية الثانية - يطرح نفسه: هل ستكون في منصبها حين يحين موعد كعكة «البانيتوني» المقبل؟ 
وفي ما شكّل تحدياً لتوقعات المراقبين (الذكور بشكل رئيسي)، بقيت ميلوني في السلطة حتى عيد ميلاد المسيح، وهو المناسبة التي يتناول فيها الإيطاليون كعكة الحلوى التقليدية هذه. وحين أتى موعد «الكولومبا»، الكعكة التي يحضّرونها بمناسبة عيد الفصح، بدت أكثر حزماً وقوةً. 

ميلوني – وهي سياسية ذكية وسريعة البديهة وذات مظهر جذاب على التلفزيون تبلغ 46 عاماً – دخلت عالم السياسة منذ سنوات مراهقتها. تبدو مرتاحة وفي وضعها الطبيعي حين تعمل مع الجمهور، وتكسب المناظرات، وتمارس السياسة. والحال أنها تسلّمت منصبها وسط مخاوف من أن تتسبب، كزعيمة حزب لديه جذور في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، في زعزعة استقرار ثامن أكبر اقتصاد في العالم، مع ما ينطوي عليه ذلك من تداعيات على أوروبا كافة.
فقد كانت التحذيرات تقول إن إيطاليا أكبر من أن تنهار وأكثر تعقيداً من أن يديرها حزبٌ يضم سياسيين يفتقرون لأي تجربة في الحكم، وإن علاقة البلاد القصيرة مع قوة سياسية هامشية يمكن أن تكون مدمِّرةً في وقت تكافح فيه أوروبا للحفاظ على وحدتها في وقت تستعر فيه أكبر حرب منذ قرابة 80 عاماً على حدودها الشرقية. 
وبعد نصف سنة، تحدّت ميلوني، التي تُعد أول سياسية منذ أكثر من 12 عاما تصبح رئيسة للوزراء، عبر الفوز في انتخابات وليس عبر المناورات ومحاولات تشكيل التحالفات السياسية، المتشائمين، وخاصة خارج حدود إيطاليا. وقد فعلت ذلك رغم الماضي المشين للحزب، ورغم جهودها الرامية لإزالة التأثيرات الأجنبية في اللغة والطعام والثقافة في سبيل إعادة تأكيد الهوية الإيطالية، ورغم سجلها الشخصي الطويل في استغلال الموضوعات القومية والمناوئة للهجرة.
ربما كان الكثيرون يتوقعون نسخة إيطالية من النائبة الأميركية مارجوري تايلر غرين (الجمهورية عن ولاية جورجيا)، ولكن بدلاً من ذلك لديهم شخص يتطلع إلى أن يُنظر إليه كمحافظ تقليدي مثل حاكمة ولاية كارولاينا الجنوبية السابقة نيكي هالي. وحتى حول موضوع الهجرة، الذي قالت عنه ميلوني ذات يوم إنه يطرح تهديد «استبدال عرقي»، فإنه من الصعب هذه الأيام تمييز سياساتها القائمة على تشديد الحدود عن سياسات الرئيس جو بايدن في أميركا. 
وإذا استطاعت ركوب الأمواج الخطيرة للمشهد السياسي الإيطالي القائم على بناء التحالفات وإدارة اقتصادٍ ظل راكداً زهاء 20 عاماً – أقول: إذا – فإن نجاحها يمكن أن يكون نموذجا ليمينيين آخرين عبر أوروبا. ولكن الخبر السيئ بالنسبة ليمينيين أوروبيين آخرين هو أنه سيكون من الصعب تكرار تركيبتها السرية المؤلفة من الفطنة والتوقيت الجيد والحظ. 
...
الفطنة أظهرتها الحرب في أوكرانيا، التي تُعد بمثابة بوتقة للزعماء المحافظين المفتونين بسحر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذكوري وتبنيه لما تبدو قيما تقليدية. فرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، حليف ميلوني منذ وقت طويل، لم يستطع التخلي عن بوتين، والسياسية اليمينية الفرنسية مارين لوبين، التي تضررت من دعم موسكو المالي لحزبها في الماضي، لم تكن مقنعةً في تحولها إلى موقف مؤيد للقضية الأوكرانية في حملتها الفاشلة في انتخابات 2022 الرئاسية. والجدير بالذكر هنا أن شريكي ميلوني في الائتلاف الحكومي، رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني ورئيس الوزراء السابق ماتيو سالفيني، تمسكا أيضا بعلاقات مع روسيا. 
ميلوني لم تتبنَ أياً من ذلك. فعلى الرغم من كلمات دافئة سابقة لبوتين، إلا أن دعمها لأوكرانيا ظل ثابتاً، وشمل ذلك مساعدات عسكرية، يعارضها نحو نصف الجمهور الإيطالي، وسافرت إلى كييف، وفي ظهور مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عبّرت عن رهانات الحرب بشكل واضح إذا قالت: «إن مصير الاتحاد الأوروبي والديمقراطيات الغربية يعتمد أيضاً على انتصار أوكرانيا على من يريدون استخدام القوة لا القانون الدولي».
...
ثباتها ساعد على إعادة تأكيد مكانة روما بين القوى المؤثّرة عبر الأطلسي كشريك يمكن الوثوق فيه في حلف الناتو. كما أن نجمها صاعد أيضاً في مجموعة السبع الصناعية، التي ستشرف على إعادة إعمار أوكرانيا على المدى البعيد.
تعاملاتها البراغماتية مع أوروبا ساعدت أيضاً قضيتها، (بشكل رئيسي) لأن إيطاليا، التي قضى وباء كوفيد- 19 على فئة المسنّين الكبيرة من سكانها، هي أكبر مستفيدة من مساعدات الإغاثة من الوباء التي يقدّمها الاتحاد الأوروبي. وتُعد الأكثر من 200 مليار دولار التي من المقرر أن تتلقاها أكبرَ ضخ للمساعدات الخارجية منذ «خطة مارشال». 
كان لدى ميلوني تاريخ طويل في استهداف الاتحاد الأوروبي بالتقريع والهجوم حينما كانت في المعارضة. ولكنها وعلى نحو غير مفاجئ تبدو مسرورة وودودة مع التكتل منذ تسلمها منصبها، ذلك أن الاقتصاد الإيطالي سيتعثر إذا توقف تدفق المساعدات. وحتى الآن، حصلت روما على ثلث المال، رغم أنه كانت هناك بعض العثرات، فالشهر الماضي جمّدت بروكسيل دفعة تناهز قيمتها 20 مليار دولار إلى أن يكون هناك امتثال أفضل للشروط. وقد كافأها الإيطاليون بتحسن تدريجي في أرقام استطلاعات الرأي. 
غير أن الحظ إلى جانب ميلوني. ففي فبراير الماضي، اختار «الحزبُ الديمقراطي» الإيطالي الوسطي تقليدياً، والذي شارك في الحكومات لسنوات، سياسيةً من أقصى اليسار، هي إيلي شلين، زعيمة جديدة له. وقد سرّعت «شلين» انجراف ما كان يمثّل التيار الرئيسي الإيطالي. وهذه فرصة أمام ميلوني للتخلص من مزيد من الوسط. 
أي خطوة خاطئة قد تعني نهايةً سريعةً لشهر العسل. متوسط عمر الحكومات الإيطالية بعد الحرب هو 14 شهراً، وشريكاها في الائتلاف الحكومي هما حليفا مصلحة وقد ينقلبان عليها إن وجدا فرصة. ولهذا، فإن أفضل أمل لديها في ولاية كاملة من خمس سنوات هو أداء قوي لحزب «إخوة إيطاليا» في انتخابات البرلمان الأوروبي العام المقبل – والتي ستكون بمثابة مقياس لأدائها وجهودها الرامية لنزع سموم اليمين المتطرف. وإذا نجحت في ذلك، قد تستطيع الحفاظ على منصبها من أجل كميات أكبر بكثير من كعك البانيتوني. 

 لي هوكستر 

صحافي متخصص في الشؤون الأوروبية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»