سؤال جدلي، أن تكون إنساناً، هل يشترط أن تكون صاحب دين، أومذهب أو فكر تعتنقه؟! جاءت الأديان للرقي بسلوك الإنسان وتعزيز القيم النبيلة وضمان التعاون والتآلف والتراحم. مند آدم عليه السلام، وزمن عبادة «الطوطم» مرت على البشرية سلسلة من الأنبياء لكي يخرجوا الناس من عبادة «الأصنام» إلى عبادة رب الأنام.
في فترة الجاهلية، أي قبل بعثة المصطفى العدنان، سماها المولى «حمية الجاهلية» سورة الفتح/ الآية 26، ووصفها الرسول صلى الله عليه وسلم ب «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم» (رواه البخاري) وكلُّ ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن: من نسبٍ أو بلدٍ أو جنسٍ أو مذهبٍ أو طريقةٍ: فهو من عزاء الجاهلية.
بمعنى خروج هذه الأخلاق عن نطاق الإنسانية، لأن الافتخار بتلك الصفات يخل بالتعايش السلمي بين مكونات المجتمع المتباين في أجناسه وأديانه ولغاته. فعندما كانت الجاهلية العربية في الجزيرة غارقة في الكثير من السلبيات، كانت بالمقابل تضج بالمعاني الجميلة والأخلاق الخلابة، كالولاء بإخلاص والعطاء بلا حدود ولو في الفاقة والكرم بكل طيبة نفس وحماية المستجير وإنْ كان ظالماً، فكيف به إنْ كان مظلوماً، هذه خطوط التوازن الإنساني، وقد جعل النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم هذه القيم هدفاً سامياً من رسالته للعالمين، وهو جزء من رحمته لكل نفس إنسانية، وقد اختصر ذلك كله في «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» رواه البخاري وأحمد، التي وجدت من قبل بعثته عبر مسار الإنسان في مختلف الأزمان وخاصة القريبة منها بشريعة إبراهيم عليه السلام.
في سيرة المصطفى، وفي أشد أوقات هجرته الحرجة، استعان الرسول صلى الله عليه وسلم بعبدالله بن أريقط- وكان مشركاً- دليلاً له إلى المدينة، ولم يكن صاحب دين، بل يملك مجموعة من الأخلاق التي تؤله لهذا مع أعظم خلق في تاريخ البشرية.
فوثق الرسول في مروءته وشهامته، فمن هذا شأنه تثق فيه، ولو كان مخالفاً لدينك، وفاقدهما لا يوثق به ولو كان على دينك.
و خص المولى جل في علاه «الإنسان» بسورة كاملة «هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا»، وورد ذكره في القرآن 56 مرة.
وعندما ذكر العلم وهو أعلى مراتب الأخلاق، والذي يبنى عليه العمل الصحيح في قوله تعالى «الرحمن علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان» وكذلك في قوله «علم الإنسان ما لا يعلم» حتى لا يبقى ذلك حكرا على فرد معين أو مجتمع دون آخر.
من هنا كان قول الشاعر البليغ في التعامل الراقي بين الناس كلهم: أحسِن إلى الناس تستعبد قلوبهم لطالما استعبد الإحسان إنسان. وفي التاريخ عندما يرد ذكر الزعماء أو القادة تكون صفة الإنسانية فوق جميع الصفات، فمن ذلك ما جاء عن مؤسس الهند «نهرو» فهو إلى جانب أنه كان كاتبا وسياسيا وزعيما، هو إنسان من أشد الناس إيمانا بالسلام بين الشعوب، وموقفه بين الكتل السياسية في العالم، والتزامه بجانب الحياد بين المعسكرات السياسية، تؤكد أنه يريد أن يحقق السلام في العالم كله.
*كاتب إماراتي